قال: ثم سار عبيد الله بن الحر حتى صبح الوادي الذي فيه الغداف، فنزل عن فرسه إلى ماء يجري في أول الوادي، فتوضأ ثم وثب فصلى الفجر وعنان فرسه في يده. ثم وثب فاستوى على فرسه وجعل يتلفت يمنة ويسرة فلا يرى أحدا حتى إذا بزغت الشمس وإذا هو بالغداف وقد خرج من شعب من شعاب ذلك الوادي على فرسه له أدهم أغر محجل، وفي يده رمح له طويل، وعلى رأسه عمامة له حمراء، وإذا هو أسود آدم، مشرف عظيم من الرجال. قال: فوقف له ابن الحر حتى حاذاه وصار قبالته، فقال له الغداف أيها الرجل! من أيت أقبلت؟ قال: من الأنبار، قال:
فأين تريد؟ قال: أريد إلى هيت، قال الغداف: بلغني أن عبيد الله بن الحر قد نزل بالأنبار، فأين يريد؟ قال: لاعلم لي بذلك، فقال الغداف: لقد بلغني عنه شدة وفروسية وإقدام على الرجال، ولعله ما نازل بطلا، ولقد كنت أحب أن أزوره وأراه، وأنظر إلى جلادته ومنازلته للرجال! قال: ثم جعل يساير عبيد الله بن الحر ويسأله عن حاله، حتى إذا أصحر عن الوادي قال له الغداف: انزل عن فرسك وانج! فقال له ابن الحر: أو تعرفني؟ قال: لا، قال: فأنا ابن الحر وإياك أردت يا كلب! ثم حمل عليه واختلفا بطعنتين، فطعنه ابن الحر طعنة نكسه عن فرسه، ثم نزل إليه فذبحه واحتز رأسه [ووضع] في مخلاة، وأخذ سلاحه وسلبه، وأقبل يريد الأنبار، وأنشأ يقول:
إني رأيت بواد غبار رجلا * مثل الهزبر إذا ما ساور البطلا ضخم الفريسة لو أبصرت قامته * وسط الرجال إذا شبهته جملا سايرته ساعة ما بي مخافته * إلا التلفت حولي هل أرى دغلا أنشأ يسائلني عنه وأطعنه * فخر يهوي على الخيشوم منجدلا دهدهته بين أحجار وأودية * لا يعلم الناس غيري علم ما فعلا يدعى الغداف وقد مالت علاوته * إن الغداف وربي وافق الأجلا قال: ثم وافا عبيد الله بن الحر حتى دخل الأنبار وأمر برأس الغداف فنصب على باب المدينة. قال: وفرح أهل الأنبار بذلك فرحا شديدا ثم حملوا إليه هدايا كثيرة من الأطعمة والأشربة وغير ذلك، فقبلها منهم.
قال: وأقبل رجل من الأنبار وقال: أيها الأمير هل تعلم بالعراق من يدانيك أو يقوم مقامك؟ فقال: نعم، رجلا واحدا يقال له جرير بن مشجعة الجعفي، وهو اليوم مع بني عمه بالكوفة، ولو أنه معي أو في أصحابه أربعة مثله لكبست الكوفة