أنك من أهل بيت لا يعرف لهم أصل، وأيم الله! لئن بقيت لك يا مؤنث لألحقنك بأصلك (1) قال: فلم يزل مصعب بن الزبير كذلك، كلما قدم إليه رجل ممن خرج عليه، يكلمه بمثل هذا الكلام وأشباهه. قال: ثم جمعهم بأجمعهم وأمرهم بطلاق نسائهم، فطلقوا مخافة سيفه، ثم أمر بهدم دورهم، فهدمت عن آخرها، ثم أخذ أموالهم وتركهم فقراء.
ثم دعا بخليفته عبد الله بن عبيد المخزومي فقال له: إني راحل إلى الكوفة لأمر لا بد منه، ولكن إن تحرك من هؤلاء القوم أحد فابعث إلي برأسه، قال: ثم رحل إلى الكوفة فنزلها.
ذكر مسير عبد الملك بن مروان إلى العراق ومقتل مصعب بن الزبير وابنه عيسى وإبراهيم ابن الأشتر والحرب العظيم الذي كانت بينهم قال: وبلغ عبد الملك بن مروان ما فعل مصعب بن الزبير بشيعته بالبصرة، فاغتم لذلك غما شديدا، ثم إنه تهيأ للمسير إلى العراق، فدعا بسلاحه الذي يلبسه فوضعه بين يديه، ثم دعا بكرسي فجلس عليه، وأقبلت إليه امرأته عاتكة بنت يزيد بن معاوية ومعها جوار لها حتى وقفت بين يديه، فقالت: يا أمير المؤمنين!
أنشدك الله إن غزوت آل الزبير في هذه السنة، فقد علمت أنهم أشأم أهل بيت في قريش، فقال عبد الملك بن مروان: يا عاتكة! إنه قتل شيعتي بالبصرة، وأذلوا وطلقت نساؤهم وخربت دورهم وأخذت أموالهم، وقد أزمعت على المسير فلا بد لي من ذلك، فإما أن يبيدوني أو أبيدهم. قال: فبكت عاتكة وتبسم عبد الملك بن مروان، وجعل يتمثل بقول كثير حيث يقول:
إذا ما أراد الغزو لم يثن همه * حصان عليها نظم (2) در يزينها نهته فلما لم تر النهي عاقه * بكت فبكى (3) مما عناها قطينها