جعلت فداك يا بن أمير المؤمنين علي الرضي وابن عم النبي، والله! ما الرأي عندنا إلا أن توثق هذه الساعة في الحديد وتحبسه عندك، فإن أمسك عنك أخاه وبعث بالرضا وإلا قدمت هذا فضربت عنقه! فقال محمد ابن الحنفية: سبحان الله! أو يكون هذا الذي ذكرت من أعمال الجبابرة وأهل الغدر؟ معاذ الله أن نقتل من لم يقتلنا، أو نبدأ بقتال من لم يقاتلنا. قال: ثم أقبل ابن الحنفية على عروة بن الزبير فقال له: انطلق إلى أخيك هذا فقال له عني (1): إنك ذكرت أنه قد استوسق لك الناس وفتحت لك البلاد، وهذا عبد الملك بن مروان حي قائم يدعى له بالشامات كلها وأرض مصر، وفي يده مفاتيح الخلافة، ولست أدري ما يكون من الحدثان، فإذا علمت أنه ليس أحد يناويك في سلطانك بايعتك ودخلت في طاعتك والسلام.
قال: فرجع عروة إلى أخيه عبد الله بن الزبير فأخبره بذلك.
ذكر خطبة محمد ابن الحنفية رضي الله عنه وكلامه لأصحابه قال: ثم قام محمد ابن الحنفية في أصحابه خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه وقال: أيها الناس! إن هذه الأمة قد ضلت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ربها، وتاهت عن معالم دينها إلا قليلا منها، فهم يرقعون في هذه الدنيا حتى كأنهم لها خلقوا، وقد نسوا الآخرة حتى كأنهم بها لم يؤمروا، فهم يضلون على الدنيا أنفسهم، ويقطعون فيها أرحامهم، ويفرطون لها عن سنة نبيهم، ولا يبالون ما أتوه فيها من نقص دينهم إذا سلمت لهم دنياهم، اللهم فلا تنسنا ذكرك، ولا تؤمنا مكرك، ولا تجعل الدنيا لنا هما، ولا تحرمنا صحبة الصالحين في دار السلام.
قال: ثم أقبل على أصحابه فقال: إني أرى ما بكم من الجهد، ولو كان عندي فضل لم أدخره عنكم، وقد تعلمون ما ألقى من هذا الرجل الذي قرب دماؤه، وأساء جواره، وظهرت، عداوته، واشتدت ظعينته، يريد أن يثور بنا (2) في مكاننا هذا، وقد أذنت لمن أحب منكم أن ينصرف إلى بلاده، فإنه (3) لا لوم عليه مني، وأنا مقيم في هذه الحرم أبدا حتى يفتح الله لي وهو خير الفاتحين. قال: فقام إليه أبو عبد الله