إلى آخرها.
قال: فأرسل مصعب بن الزبير إلى وجوه أهل الكوفة فأحضرهم إلى مجلسه وأخبرهم بقصة عبيد الله بن الحر، فقال له رجل منهم: أصلح الله الأمير، إني أخبرك عنه بأمر! فقال مصعب: وما ذلك؟ فقال: إنه جاء يوم (1) من الأيام فاستأذن عليكم فلم يأذن له الحاجب، وجاء مسلم بن عمرو الباهلي فدخل، وجاء المهلب بن أبي صفرة فدخل، وجاء إليك الناس واحدا بعد واحد، ثم دخل بعد ذلك عبيد الله بن الحر، فلما خرج سمعته يقول أبياتا حفظتها منه وهي هذه الأبيات (2):
بأي بلاء أم بأية نعمة * بمسلم قبلي يبتدي والمهلب (3) ويدعى ابن منجوف أمامي كأنه * يطاعن قلبي بالوشيج المغلب (4) بسوء بلاء أم لقتل عشيرتي * أذل وأقصى عن حجابات مصعب قال: فقال له مصعب: دع هذا! هذا شيء ما لنا به علم، ولكن هاتوا آراءكم وأشيروا علي بمشورة يعم صلاحها! قال فقال له بعض جلسائه: أصلح الله الأمير!
إن عبيد الله بن الحر رجل صعلوك يأكل خبزة بسيفه، وهو مع ذلك رجل مطاع في قومه وعشيرته لما يعلمون من بأسه وشدته، ولقد كان خالف على المختار بن أبي عبيد وقاتله غير مرة، وقد خالف أيضا على معاوية بن أبي سفيان وابنه يزيد وعبيد [الله] بن زياد، وهو رجل لا يرى لأحد عليه طاعة، ويوشك أن يثور في هذا السواد، فقتل ويفسد ويجلب الأموال كما فعل من قبل، والرأي في ذلك أن يبعث إليه الأمير - أيده الله - بالبر والألطاف ويعده ويمنيه حتى يقع في يده، ثم يخلده السجن، فقال مصعب: هذا هين يسير إن قبل ذلك منا.