عبيد الله بن الحر يتوعدني بالقتال إن هو أفلت من يدي، والله لأطيلن حبسه ولأزيدن في حديده، ولأذيقنه طعم الذل والهوان. ثم أمر مصعب فزيد في حديده، وأمر فضيق عليه في السجن أشد الضيق.
فلما بلغ ابن الحر ما هو فيه من ثقل الحديد وضيق الحبس كتب إلي بني عمه يشكو إليهم ويقول أبياتا مطلعها:
[و] من مبلغ الفتيان أن ابن عمهم * أتى دونهم باب منيع وحاجبه (1) إلى آخرها قال: فلما وصلت هذه القصيدة إلى بني عمه كأنهم تحركوا لذلك، وقال بعضهم لبعض: لا والله ما هذا بحسن أن يكون أخونا وابن عمنا محبوسا يقاسي ثقل الحديد وضيق السجن ونحن آمنون. قال: ثم وثب رجل منهم يقال له عطية بن عمر الجعفي (2) فقال: يا هؤلاء! قوموا بنا إلى هذا الأمير حتى نكلمه في صاحبنا، فإن هو شفعنا فيه وإلا ثرنا عليه فقاتلناه، فما هو أعز علينا ولا أعظم في عيوننا من المختار بن [أبي] عبيد الذي قتلناه في ساعة من النهار قال: وبلغ ذلك مصعب بن الزبير، فسكت عن القوم كأنه لم يعلم بشيء من ذلك، فلما كان الليل بعث إلى عطية بن عمر (3) الجعفي فأتي به في منزله، ثم أمر به مصعب فبطح بين يديه فضربه ثلاثمائة قضيب، ثم أمر به فقد وحمل إلى السجن، فحبس مع عبيد الله بن الحر. قال: وأصبحت قبائل الأزد ومذحج بالكوفة وقد بلغهم ذلك، فكأنهم هموا بالمصعب ثم إنهم كفوا يومهم ذلك.
قال: ونظر عبيد الله بن الحر إلى عطية بن عمر وجزعه من ذلك الضرب والحبس، فقال: لا تجزع يا عطية! فإن الدهر يومان: يوم نعيم ويوم بؤس، والله يا عطية لأخرجن أنا وأنت من هذا السجن، ولأنغصن على مصعب بن الزبير عيشه، ولأدعون أهل السواد والناحيتين إلى المشمرخ (4) ولأحتوين على الفرات إلى هيت وعانات، ولآخذن خراج الشوش وما يليها من الرساتيق والقرى، ولأكرمن من جاءني