ورجونا هبأ منثورا. قال: فسار الرسول إلى مصعب بن الزبير فأخبره بذلك، فأمسك عنه مصعب وفي قلبه منه ما في قلبه، فأنشأ عبيد الله بن الحر في ذلك يقول:
متى تسألوني ما علي وتمنعوا ال * ذي لي لم أستطع على ذلكم صبرا أهان وأقضى ثم ترجى نصيحتي * وإني امرؤ يوفي نصيحته قسرا رأيت أكف المفضلين لديكم * ملأى وكفي من عطائكم صفرا وقدما كففت النفس عما يريبكم * ولو شئت قد أغليت في حربكم قدرا ولو شئت قد سارت إليكم كتائب * رآها سراعا نحو عقوتكم غبرا عليها رجال لا يخافون في الوغا * سهام المنايا والردينية السمرا قال: ثم أرسل عبيد الله بن الحر إلى فتيان صعاليك العرب فدعاهم وأخذ بيعتهم على أن يخرجوا معه على مصعب بن الزبير، فأجابوه إلى ذلك، ثم خرج معه القوم وهم سبعون رجلا في جوف الليل، حتى إذا صار على فرسخين من الكوفة.
قال: واتصل هذا الخبر بمصعب بن الزبير، فكأنه اغتم لذلك وخشي أن يخرج عليه ابن الحر في سواد الكوفة، فبعث إليه برجل يقال له سيف بن هانئ وكتب إليه: أما بعد! فقد بلغني ما قد عزمت عليه من أمرك، وقد وجهت إليك رسولي أدعوك فيه إلى طاعتي على أنك تقاتل معي أهل الشام، ولك عندي بذلك خراج بادوريا (1) تأخذه لنفسك عفوا صفوا، فتفرقه فيمن أحببت من أهل بيتك وأصحابك وعشيرتك، فكف عما تريد أن تصنع - والسلام -.
قال: فلما قرأ عبيد الله بن الحر ضحك لذلك وقال: أو ليس لي خراج بادوريا (2) وغير بادوريا (2) من السواد، لا والله لا أجبت مصعبا إلى شيء أبدا. ثم أقبل على الرسول فقال له: إني أراك فتى ظريفا، فهل لك أن تصحبني فأغنيك عن مصعب بن الزبير؟ فقال له الفتى: جعلت فداك وإني أخاف على أهل بيتي وعشيرتي إن أنا فعلت ذلك، فلا تكلفني من الأمر ما لا أطيق. قال: فانصرف إلى صاحبك راشدا فأخبره بما سمعت. قال: فجاء سيف بن هانئ إلى مصعب فأخبره بذلك، فأنشأ عبيد الله بن الحر يقول في ذلك أبياتا مطلعها:
أيرجو ابن الزبير اليوم نصري * لعاقبه ولم أنصر حسينا