عاتقه، جدله قتيلا.
قال: وصار أصحاب مصعب بن الزبير إلى حيطان الكوفة. ونزل المختار عن فرسه ونزل معه أشداء أصحابه، وركبوا على أفوه السكك، فلم يزالوا يقاتلون من وقت المغرب إلى الصباح، وانهزم المختار حتى دخل إلى قصر الإمارة، فقال له بعض أصحابه: أيها الأمير! أما خبرتنا أن نقتل مصعب بن الزبير في وقعتنا هذه؟
فقال: بلى! ولكن أما تسمع قول الله تعالى، (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب) (1).
قال: وأصبح مصعب فعبي أصحابه تعبية الحرب، وأقبل نحو الكوفة حتى دخلها في جيشه ذلك، والمهلب بن أبي صفرة على يساره فقال له: أبا سعيد! يا له من فتح ما أهنأه لو لا قتل محمد بن الأشعث، فقال المهلب: صدقت أيها الأمير، قد قتل عبيد الله (2) بن أبي طالب أيضا، قال مصعب: فإننا ما قتلناه وإنما قتله من كان من شيعته وشيعة أبيه. قال: ودخل أصحاب المختار إلى منازلهم، ودخل قوم منهم إلى قصر الإمارة، فصاروا مع المختار عازمين على الموت.
ذكر محاصرة المختار في القصر إلى وقت مقتله رحمه الله قال: وجاءت الخيل حتى أحدقت بالقصر، فحاصروا المختار ومن فيه حصارا شديدا، حتى منه العطش، فكانوا ربما بذلوا في الرواية من الماء الدينار والدينارين والثلاثة. قال: وكانت (3) النساء في أول الأمر يأتين فيدخلن في القصر إلى أقاربهن بالطعام والماء، فبلغ ذلك مصعب بن الزبير فمنع النساء من ذلك. ثم قطع عنهم الماء، فكانوا يمزجون ماء البئر بالعسل والدوشاب (4) والتمر ويشربونه لما ينالهم من العطش.