بذلك فخرج من باب له آخر في جوف الليل هاربا ومضى نحو البصرة إلى معصب بن الزبير. قال: وأصبح حوشب بن يعلى هذا وقد علم أن محمد بن الأشعث قد هرب فكتب إلى المختار بذلك، فكتب إليه المختار أنك قد ضيعت الحزم ولم تأخذ بالوثيقة، فإذا قد فاتك الرجل فأهدم قصره، وأخرب قريته، وأتني بأمواله!
قال: فهدمت دار محمد بن الأشعث، وأمر المختار بنقضها فبنوا به دار حجر بن عدي الكندي رحمه الله (1).
قال: وصار محمد بن الأشعث إلى مصعب بن الزبير فالتجأ إليه، فقال له مصعب: ما وراءك؟ فقال: ورائي والله أيها الأمير الترك والديلم! هذا المختار بن أبي عبيد قد غلب على الأرض، فهو يقتل الناس كيف شاء، وقد قتل إلى الساعة هذه ممن يتهم بقتال الحسين بن علي أكثر من ثلاثة آلاف، وقد كان أعطاني الأمان ثم إنه بعث إلي ببعض أصحابه فأراد قتلي فهربت إليك، فهذه قصتي وهذه حالي، ثم وثب رجل من كندة ممن قدم مع محمد بن الأشعث حتى وقف بين يدي مصعب بن الزبير فأنشأ يقول أبياتا مطلعها:
إن قوما من كندة الأخيار * بين قيس وبين آل المذار (2) إلى آخرها. قال: فقال له مصعب بن الزبير: يا أخا كندة! إني قد فهمت كلامك، وإني أعمل برأي أمير المؤمنين، وهو الذي ولاني البصرة وأمرني بحرب الأزارقة، وهذا المهلب بن أبي صفرة في وجوههم يحاربهم، فلا تعجلوا فإن المختار له مدة هو بالغها. قال: فأقام محمد بن الأشعث عند مصعب بن الزبير بالبصرة، وبلغ عبد الملك بن مروان ما فيه المختار من غلبته على البلاد وقتله للناس، فأحب أن يبدو به قبل غيره، ثم يتفرغ لعبد الله بن الزبير وأخيه مصعب بن الزبير - والله أعلم - ابتداء مسير عبيد الله بن زياد إلى العراق ومقتله قال: فدعا عبد الملك بن مروان بعبيد الله بن زياد، فضم إليه ثمانين (3) ألفا