قال: وأصبح أهل العراق مغمومين بموت صاحبهم يزيد بن أنس، فقال لهم ورقاء بن عازب: أيها الناس! دعوا عنكم هذا الجزع الذي قد تداخل كم، فكل حي ميت، فلا تشربوا قلوبكم الهم والغم، فهذا عبيد الله بن زياد بإزائكم في (1) خلق عظيم، وقد علمتم من قد التأم إليه من أهل الجزيرة، ولا أظن أن لكم به طاقة، فإني أعلم أننا إن قاتلناهم كنا مخاطرين، وإن هزمناهم لن ينفعنا هزيمتهم شيئا لكثرة جمعهم وعددهم. قال: فقالوا: أيها الأمير! الرأي عندنا أن تنصرف حتى ننصرف معك. قال: فرحل القوم في جوف الليل نحو العراق.
وبلغ ذلك المختار وأهل الكوفة فأرجف منهم من أرجف وتكلم أعداء المختار ما تكلموا ولم يعلموا ما الخبر، وظنوا أنه قد قتل يزيد بن أنس وأن أصحابه قد أبيدوا. قال: واغتم المختار أيضا لذلك ولم يدر ما قصة يزيد بن أنس وأصحابه، ثم أتاه الخبر بعد ذلك بأن يزيد بن أنس إنما مات من علة نزلت به، وأن أصحابه انصرفوا من غير هزيمة. قال: فطابت نفس المختار بذلك، وقدم أصحاب يزيد بن أنس الكوفة يخبرون بما كان من أمرهم. قال: فعندها دعا المختار بإبراهيم بن الأشتر، فعقد له عقدا وضم إليه أصحاب يزيد بن أنس وغيرهم من فرسان هل الكوفة ورجالتهم (2) وقال له: سر إلى عدوك فناجزهم وطالعني بأخبارك في ليلك ونهارك، وإن رأيت أمرا لا طاقة لك به فلا تلق بيدك إلى التهلكة، واكتب إلي حتى أمدك بخيل ورجال ما تكتفي بهم إن شاء الله تعالى ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال: فخرج إبراهيم بن الأشتر حتى ضرب عسكره بموضع يقال له حمام أعين (3)، وعزم (4) أهل الكوفة على أن يغدروا بالمختار.
ذكر خروج أهل الكوفة على المختار و غدرهم به ومحاربتهم إياه قال: وعزم أهل الكوفة على أن يغدروا بالمختار وأن ينقضوا عهده وبيعته،