فما الدين كالدنيا ولا الطعن كالمني * ولا الضر كالسرا ولا الليث ثعلبا قال: وهم المغيرة بن المهلب أن يتبع الأزارقة، فأرسل إليه أبوه: أن يا بني لا تعجل وذر القوم فوجه منهزمين (1) فيها ولا تجرحهم، فإن الكلب إذا جرحته عقر!
قال: فقبل المغيرة ما أمر به المهلب ورجع إلى تستر فنزلها.
قال: وأقبل إليه أخوه يزيد بن المهلب في خيل عظيمة. قال: ومضت الأزارقة حتى ساروا إلى سابور من أرض فارس، فنزلوها وغلبوا عليها وجبوا أموالها وخففوا عن أهلها المؤنة، وسار إليهم المهلب في جيشه، وبلغهم ذلك فمضوا إليه حتى أدركوه بموضع يقال له النوبندجان (2).
ذكر خطبة المهلب قبل الوقعة قال: فلما عاين القوم بعضهم بعضا واصطفت الخيلان، قام المهلب في أصحابه خطيبا، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: أيها الناس! أكرموا هذه الخيل، فإنها تنفعكم غدا عند اللقاء، فأجلوا السلاح لتقاتلوا به الأعداء، وأحسنوا حمله لتنظروا يوم الوغى، وتعلموا القتال لتنصروا به مخارج الحياة، وأطيلوا الرماح فإنها قرون الخيل، ولا تعالوا في السيوف فإنها مأمورة، واتخذوها فإنها شفار، وعيروا الجبان بالجبن حتى يقاتل، ولا تقولوا: الحين يحثه (3)، ولم يفر قوم قط إلا وهنوا وإن كان رأيهم حازما، وليس كل عاد يرجع ولا كل سلامة تدوم، وهؤلاء القوم يقاتلونكم على دينكم ودنياكم، فإن غلبوكم فلا دين لكم ولا دنيا، فقاتلوهم على ما يقاتلونكم عليه - والسلام - قال: فأجابه الناس على ما يحب واعتذروا إليه مما كره، فأنشأ المغيرة بن حبناء التميمي في ذلك يقول:
يعلمنا المهلب كل يوم * قتال القوم تعليم الكتاب ويلبسنا السلاح إذا أمنا * لنحذق لبسه والنقع كأب وعاب حياتنا بالجن حتى * كأن حياتنا دين المعاب ويجزي المحسنين بما أتوه، ويعفي المذنبين من العتاب