وإنا إليه راجعون، أبا قيس قد وفيت، ما كان أغنى أهل مصرك بما صنعت من ذلك، فجعتهم بنفسك. ثم ألقي عليه كساءه، ثم أقبلت الأزد، فكان بينهما وبين مضر ما وقع ذكره في غير هذا الكتاب حتى اصطلحوا، وتراضوا على بيعة ابن الزبير. قال الهيثم: قال ابن عباس: حدثني عوكل اليشكري (1) قال: إنا مع عبيد الله بن زياد في ليلة مظلمة، فإذا نحن بنار من بعد. فقال عبيد الله: يا عوكل كيف الطريق؟ قال: اجعل النار على حاجبك، فقال: بل على حاجبك. قال عوكل: فوالله إنا لنسير بالسمارة (2)، إذ قال عبيد الله: قد كرهت البعير، فابغوا لي ذا حافر. قال (3): فإذا نحن بأعرابي من كلب معه حمار أقمر ضخم. فقلت:
تبيعه بكم؟ فقال: بأربع مئة درهم، لا أنقصكم درهما، فأشار إلينا عبيد الله أن خذوه. قال: فجعلنا ننقده الدراهم. قال: لست أدري ما هذه؟ ولكن بيني وبينكم هذا المولى، يعني عبيد الله بن زياد، وكان عبيد الله أحمر أقمر، شبيها بالموالي. قال: فأخذناه منه فقال عبد الله: ارحلوا لي عليه، فرحلنا له عليه، فلما قدم ليركب، قال الأعرابي: أنا أقسم بالله إن لكم لشأنا، وما أظن صاحبكم إلا والي العراق، فاستقفاه عبيد الله بالعصا، فضربه بها، فوقع، ثم شدوه وثاقا.
قال: وجعلوا يتجنبون المياه. قال عوكل: ثم إن عبيد الله بينا هو على راحلته، إذ هجعت عينه. فقلت له: أراك نائما. فقال: ما كنت بنائم. فقلت له: ما أعلمني بما كنت تحدث به نفسك قال: وبأي شئ كنت أحدث نفسي؟ قال: قلت:
ليتني لم أبن البيضاء (4)، ولم أستعمل الدهاقين (5)، وليتني لم أتخذ المحاربة، قال: ما خطر لي هذا على بال: أما قولك: ليتني لم أبن البيضاء، فما كان علي منها إثم، بناها اليزيد من ماله (6)، وأما استعمال الدهاقين، فقد استعملهم أبي