والناس. فلما دنا موسى وسلم قال له سليمان: أرأيت الهلال بعد يا موسى؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين ها هو ذاك، وأشار بأصبعه إلى ناحية، وهو مقبل على سليمان بوجهه، فرمى الناس بأبصارهم حيث أشار موسى، فأبصروا الهلال فلما جلس موسى قال: إني والله لست بأحدكم بصرا، ولكني أعلمكم بمطالعه ومناسقه (1).
وقال: فخرج فلقيه يزيد بن المهلب، فقال له: يا أبا عبد الرحمن، بينا أنت أدهى الناس وأعلمهم، أقبلت تسوق نفسك حتى تضعها في يد سليمان. فقال له موسى: أما علمت يا أبا خالد، أن الهدهد يهتدي إلى الماء ويعرفه من الأرض الفضاء ومن الحزونة والسهل، ويبصر القريب منه والبعيد، ثم ينصب له الصبي الفخ بالدودة وما أشبهها، فلا يبصر ذلك حتى يقع فيه فيؤخذ؟ وذلك أنه لا حذر ينجي من قدر، ولا رأي ولا بصر، وكذلك كنت وسليمان بن عبد الملك.
قال: وذكروا أن سليمان خرج يوما إلى بعض أمواله متنزها فخرج معه موسى بن نصير، فعرضت عليهم غنم حلب، نحو من ألف رأس، فأعجب سليمان ما رأى منها، والتفت إلى موسى، فقال له: هل رأيت مثلها قط؟ قال:
نعم، إن لأدنى موالي لأصنافا كثيرة، فالتفت إليه سليمان، وقال له: أدنى مواليك؟ قال: نعم فرددها سليمان كالمغضب عليه. قال موسى: نعم يا أمير المؤمنين، وما هذا فيما أفاء الله عز وجل على يدي، لقد كان الألف تباع بعشرة دراهم أو دونها، ولقد كانت في بعض المواطن وما لها قيمة، ولا يلتفت إليها أحد يا أمير المؤمنين، ولغير ذلك مما أفاء الله عليهم، ولقد رأيت العلج العتل (2)، والوصيف الفاره (3)، والجارية الحسناء، وإن أكثر ما تبلغ خمسين درهما، لكثرة ذلك من صنوفه كلها. ولقد رأيت الذود (4) من الإبل، لا تبلغ قيمته عشرين درهما، أكثر يا أمير المؤمنين ما أعلمتك فيما تسمع؟ قال سليمان: لا، وحمد الله.
قال: وذكروا أن موسى دخل على سليمان يوما وعنده الناس، فلما رآه سليمان قال: ذهب سلطان الشيخ، وأبصره موسى حين تكلم، فلم يفهم ما قال