جزائي، إني لبعيد الأثر في سبيل الله العظيم الغناء عن المسلمين، مع قدمة (1) آبائي مع آبائك، ونصيحتي لهم. قال: فيقول له سليمان: كذبت، قتلني الله إن لم أقتلك. فلما أكثر على موسى قال له: أما والله لمن في بطن الأرض أحب إلي ممن على ظهرها. فقال سليمان:
ومن أولئك واستطير (2). فقال له موسى: مروان، وعبد الملك والوليد أخوك، وعبد العزيز عمك. قال: فكاد سليمان ينكسر. ثم يقول: قتلني الله إن لم أقتلك. فيقول له موسى: ما أنت بفاعل يا أمير المؤمنين؟ فيقول: ولم؟ لا أم لك. فيقول له موسى: إني لأرجو ألا يكرم موسى بهوان أمير المؤمنين وموسى حينئذ قائم في الشمس، قد ارتفع نفسه، وعظم بهره (3)، ثم التفت سليمان إلى عمر بن عبد العزيز، فقال: ما أرى يميني إلا قد برئت يا عمر (4). قال عمر: فاغتنمتها منه، ولم أبال أن يحنث بإحياء رجل من المسلمين.
فقلت: أجل يا أمير المؤمنين، امرؤ كبرت سنه، وكثر لحمه، وبه نسمة وبهر وسقم. فما أراه إلا ميتا. قال: ثم التفت سليمان إلى جلسائه فقال: من يأخذ هذا الشيخ، فيستخرج منه هذه الأموال؟ فقال يزيد بن المهلب: أنا يا أمير المؤمنين قال: فخذه ولا تمسه، وضع العذاب على ابنيه مروان، وعبد الأعلى، فخرج به يزيد فحمله على دابة ابنه، ثم انصرف به إلى منزله، فأكرمه وبره. وقال له: أطع أمري، وأجب أمير المؤمنين إلى مقاضاته عن نفسك وعن ابنيك، وحملني كل ما قاضيته عليه. فقال له موسى: أما إذا كنت أنت صاحب هذا الشأن، فأنا غير مخبرك فيما ضمنت لأمير المؤمنين، وأيم الله لو أمر سواك بي، وأمره بالبسط علي، لكان أحب إلي أن ألقى الله عز وجل، وأقرب إلي من أن يأخذوا مني دينارا واحدا، ولكن أديا يا ابني عن أنفسكما وعن أبيكما، فقالا: نعم، فغدا يزيد بن المهلب إلى سليمان، فأعلمه بذلك، وبرضا موسى بمقاضاته، فأدخله سليمان عليه. فقال موسى: أرأيت لو لم أقاضك ما كنت فاعلا فقال سليمان: أضع العذاب عليك وعلى ابنيك حتى أبلغ ما أريد، أو آتي على أنفسكم. فقال موسى: الآن طابت نفسك يا أمير المؤمنين فأعطني أربع خصال، ولك ما دعوتني إليه من هذا المال. فقال: وما هن؟ قال: لا تعزل عبد الله بن موسى عن أفريقية وجميع عمله سنتين، وأن كل ما جباه عبد الله بأفريقية، وعبد العزيز بالأندلس،