كثير، فقال له عبد الملك: إن عبد العزيز صنو أمير المؤمنين، وقد أمضينا فعله، فتوجه قرة ابن حسان إلى أفريقية، فهزم بها، وقتل غالب أصحابه. فلما كانت سنة أربع وثمانين، توفي عبد العزيز بن مروان بمصر، ثم ولى محمد بن مروان إلى سنة ست وثمانين، فلما توفي عبد العزيز، أجمع عبد الملك على بيعة الوليد، ثم من بعد الوليد سليمان، فكتب إلى الحجاج ببيعة الوليد وسليمان، فبايع الحجاج لهما بالعراق، فلم يختلف عليه أحد، وبويع لهما بالشام ومصر واليمن، وكتب عبد الملك إلى هشام بن إسماعيل، وهو عامله على المدينة، أن يأخذ بيعة أهل المدينة، فلما أتت البيعة لهما، كره ذلك سعيد ابن المسيب، وقال: لم أكن لأبايع بيعتين في الإسلام بعد حديث سمعته عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " إذا كانت بيعتان في الإسلام فاقتلوا الأحدث منهما " فأتاه عبد الرحمن بن عبد القاري. فقال: إني مشير عليك بثلاث خصال، اختر أيها شئت. قال: وما هي؟ قال له: إنك تقوم حيث يراك هشام ابن إسماعيل، فلو غيرت مقامك؟ قال: ما كنت لأغير مقاما قمته منذ أربعين سنة لهشام بن إسماعيل: قال: فثانية: قال: وما هي؟ قال: اخرج معتمرا، قال سعيد: ما كنت لأجهد نفسي، وأنفق مالي في شئ ليس لي فيه نية. قال له: فثالثة، قال: وما هي؟ قال: تبايع للوليد، ثم لسليمان، قال سعيد: أرأيت إن كان الله قد أعمى قلبك كما أعمى بصرك فما علي؟
قال: وكان عبد الرحمن هذا أعمى. قال: فدعاه هشام بن إسماعيل إلى البيعة، وكان ابن عم سعيد بن المسيب، فلما علم بذلك القرشيون، أتوا هشاما فقالوا له: لا تعجل على ابن عمك حتى نكلمه ونخوفه القتل، فعسى به أن يبايع ويجيب. قال: فاجتمع القرشيون، فأرسلوا إلى سعيد مولى له كان في الحرس. فقالوا له: اذهب إليه، فخوفه القتل، وأخبره أنه مقتول، فلعله يدخل فيما دخل فيه الناس. فجاءه مولاه، فوجده قائما يصلي في مسجده، فبكى مولاه بكاء شديدا، قال له سعيد: ما يبكيك ويحك! قال: أبكى مما يراد بك. قال له سعيد: وما يراد بي، ويحك. قال: جاء كتاب من عبد الملك بن مروان، إلى هشام بن إسماعيل، إن لم تبايع وإلا قتلت، فجئتك لتطهر وتلبس ثيابا طاهرة وتفرغ من عهدك إن كنت لا تريد أن تبايع. فقال له سعيد: لا أم لك قد وجدتني أصلي في مسجدي، أفتراني كنت أصلي ولست بطاهر، وثيابي غير طاهرة! وأما ما ذكرت من أن أفرغ من عهدي، فما كنت لأوخر عهدي بعد ما حدثني به عبد الله بن عمر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: " ما حق امرئ مسلم يبيت ليلتين له شئ يوصى به إلا ووصيته مكتوبة "، فإذا شاءوا فليفعلوا، فإني لم أكن لأبايع بيعتين في الإسلام. قال: فرجع إليهم المولى فأخبرهم بما ذكر، فكتب صاحب المدينة هشام بن إسماعيل إلى عبد الملك يخبره أن سعيد بن المسيب كره أن يبايع لهما (للوليد وسليمان) فكتب