ثم جاء بعد ذلك دور من أدوار التصنيف كتبت فيه " المغازي والسير " في مؤلفات خاصة، وتوفر عليها جماعة من العلماء، وكان هؤلاء يقدمون؟ بين يدي أخبار النبي صلى الله عليه وسلم شيئا من القول في أخبار الجاهلية، كأخبار جرهم ودفن زمزم وحديث قصي بن كلاب وجمعه قريشا، ونحو ذلك مما هو شرح لبعض أخبار آباء النبي صلى الله عليه وسلم وأحوالهم وأحوال من عاصرهم.
وقد كان أول من كتب في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم عروة بن الزبير ابن العوام - وهو رجل من أشرف قريش نسبا، فأبوه الزبير بن العوام، وأمه أسماء بنت أبي بكر الصديق، ومن معاصريه أبان بن ذي النورين الخليفة الثالث عثمان بن عفان، وشرحبيل بن سعد أحد موالى الأنصار، ووهب بن منبه، وهؤلاء الأربعة من علماء القرن الأول للهجرة، وقد مات أولهم في أخريات هذا القرن، وبقى الثلاثة بعده حتى سلخوا من القرن الثاني قليلا، وكان أطولهم أمدا شرحبيل بن سعد فإنه بقى حتى حطم ربع القرن الثاني.
ثم جاء من بعد هؤلاء الأربعة طبقة أخرى، كان أشهر من كتب من علمائها في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة رجال، وهم عاصم بن قتادة المدني الأنصاري الظفري، ومحمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري المكي، وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم وهو ابن أبي بكر بن حزم الذي كتب إليه عمر بن عبد العزيز يأمره بتدوين حديث رسول الله، على ما أنبأتك من قبل.
ثم جاء من بعد هذه الطبقة طبقة أخرى كان أشهر رجالها الذين صنفوا في هذا الفن موسى بن عقبة المدني، مولى آل الزبير، المتوفى في سنة إحدى وأربعين ومائة، ومعمر بن راشد، مولى الأزد البصري، المتوفى في سنة خمسين ومائة - ويقال: في سنة ثلاث وخمسين ومائة - ومحمد بن إسحاق بن يسار مولى قيس ابن مخرمة بن المطلب بن عبد مناف، وهو مؤلف أصل هذه السيرة التي بين