وقد كان من سوالف الأقضية أنني عنيت منذ سنين بقراءة هذا الكتاب وصححت كثير مما أصابه من التحريف بالرجوع إلى نسخ كثيرة منه وإلى كثير من كتب السيرة والتاريخ التي تنقل عبارة ابن إسحاق بحروفها كالطبري، وانتفعت في هذا الباب بكتاب " معجم البلدان " لياقوت، فإنه يذكر في الكلام على الأماكن التي وردت في السيرة عبارة ابن إسحاق، ويبين ما فيها من الخلاف، ويضبط ذلك كله، وانتفعت بشروح الكتاب كشرحي السهيلي وأبي ذر، وانتفعت بشرح الزرقاني على الشمائل المحمدية الذي يذكر عبارة ابن إسحاق كثيرا ويضبط حروفها، وانتفعت بشرحي " الشفا " لملا على القارى وللشهاب الخفاجي، وقد أخرجت منذ ربع قرن تقريبا نسخة من هذا الكتاب ظهر فيها أثر ما انتفعت به مما ذكرت من الكتب وغيرها، وقد نفذت هذه النسخة بعد ظهورها بقليل، وطال انتظار الناس إلى خروجها مرة أخرى، ثم رغب إلى ناشر هذه الطبعة في أن أتوفر على ضبط السيرة وتحقيقها دقيقا من غير أن أعلق عليها بشئ، فترددت كثيرا في قبول هذا العرض، لأنه لا يظهر القراءة على الجهد الذي يبذل في تحقيقها وضبطها على الوجه المرغوب فيه، ولكني آمنت في آخر الامر بأن ظهورها على هذا الوجه خير من بقائها في زوايا النسيان، مع أنه قد يكون سببا في ظهورها مرة أخرى مع شرح واف وبيان كاف وبحسبي اليوم أنني ضبطت آيات القرآن الكريم، ودللت على موضعها من المصحف ببيان رقم الآية واسم السورة، وضبطت أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وضبطت ما ورد من الشعر في هذا الكتاب على كثرته، وضبطت - بعد ذلك - غريب الكلمات والمشكل من الاعلام وتحريت أدق التحرى في اختيار الرواية التي أثق من نسبتها إلى ابن إسحاق حين تختلف العبارات، وإني لأرجو أن أكون قد أسديت إلى هذا الكتاب خدمة أستحق أن أنال به مثوبة الله
(مقدمة الكتاب ١٤)