رجلا، أفضل قومه مروءة، وأحسنهم خلقا، وأكرمهم حسبا، وأحسنهم جوارا، وأعظمهم حلما، وأصدقهم حديثا، وأعظمهم أمانة، وأبعدهم من الفحش والأخلاق التي تدنس الرجال تنزها وتكرما، حتى ما اسمه في قومه إلا الأمين، لما جمع الله فيه من الأمور الصالحة.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما ذكر لي - يحدث عما كان الله يحفظه به في صغره وأمر جاهليته، أنه قال: لقد رأيتني في غلمان قريش ننقل حجارة لبعض ما يلعب به الغلمان، كلنا قد تعرى، وأخذ إزاره فجعله على رقبته، يحمل عليه الحجارة، فإني لأقبل معهم كذلك وأدبر، إذ لكمني لاكم ما أراه، لكمة وجيعة، ثم قال: شد عليك إزارك، قال: فأخذته على ثم جعلت أحمل الحجارة على رقبتي وإزاري على من بين أصحابي.
حرب الفجار قال ابن هشام: فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع عشرة سنة أو خمس عشرة سنة - فيما حدثني أبو عبيدة النحوي عن أبي عمرو بن العلاء - هاجت حرب الفجار بين قريش ومن معهم من كنانة، وبين قيس عيلان.
وكان الذي هاجها أن عروة الرحال بن عتبة بن جعفر بن كلاب بن ربيعة ابن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن، أجار لطيمة للنعمان بن المنذر فقال له البراض بن قيس، أحد بنى ضمرة بن بكر بن عبد مناة بن كنانة:
أتجيرها على كنانة؟ قال: نعم، وعلى الخلق [كله] فخرج فيها عروة الرحال وخرج البراض يطلب غفلته، حتى إذا كان بتيمن ذي طلال بالعالية، غفل عروة، فوثب عليه البراض فقتله في الشهر الحرام، فلذلك سمى " الفجار " وقال البراض في ذلك:
وداهية تهم الناس قبلي * شددت لها بنى بكر ضلوعي هدمت بها بيوت بنى كلاب * وأرضعت الموالى بالضروع