قال ابن إسحاق: وقد سألت [ابن شهاب] الزهري عن هؤلاء الآيات فيمن أنزلن؟ فقال لي: ما زلت أسمع من علمائنا أنهن أنزلن في النجاشي وأصحابه.
والآيات من سورة المائدة من قوله: {ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون} إلى قوله: {فاكتبنا مع الشاهدين - 82 و 83 من سورة المائدة} قال ابن إسحاق: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جلس في المسجد فجلس إليه المستضعفون من أصحابه، خباب، وعمار، وأبو فكيهة يسار، مولى صفوان بن أمية بن محرث، وصهيب، وأشباههم من المسلمين، هزئت بهم قريش، وقال بعضهم لبعض: هؤلاء أصحابه كما ترون، أهؤلاء من الله عليهم من بيننا بالهدى والحق! لو كان ما جاء به محمد خيرا ما سبقنا هؤلاء إليه، وما خصهم الله به دوننا. فأنزل الله تعالى فيهم: {ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شئ وما من حسابك عليهم من شئ فتطردهم فتكون من الظالمين * وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا؟ أليس الله بأعلم بالشاكرين * وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم كتب ربكم على نفسه الرحمة أنه من عمل منكم سواء بجهالة ثم تاب من بعده وأصلح فأنه غفور رحيم - 52 إلى 54 من سورة الأنعام}.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما بلغني - كثيرا ما يجلس عند المروة إلى مبيعة غلام نصراني، يقال له جبر، عبد لبني الحضرمي، فكانوا يقولون:
والله ما يعلم محمدا كثيرا مما يأتي به إلا جبر النصراني، غلام بنى الحضرمي، فأنزل الله تعالى في ذلك من قولهم: {ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر، لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين - 103 من سورة النحل} قال ابن هشام: يلحدون إليه: يميلون إليه. والالحاد: الميل عن الحق. قال رؤبة العجاج: