ووصفا لهم أمره، وأخبراهم ببعض قوله، وقالا لهم: إنكم أهل التوراة، وقد جئناكم لتخبرونا عن صاحبنا هذا، فقالت لهما أحبار يهود: سلوه عن ثلاث نأمركم بهن، فإن أخبركم بهن فهو نبي مرسل، وإن لم يفعل فالرجل متقول، فروا فيه رأيكم. سلوه عن فتية ذهبوا في الدهر الأول: ما كان أمرهم؟ فإنه قد كان لهم حديث عجيب؟ وسلوه عن رجل طواف قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها، ما كان نبؤه، وسلوه عن الروح ما هي؟ فإذا أخبركم بذلك فاتبعوه، فإنه نبي، وإن لم يفعل فهو رجل متقول، فاصنعوا في أمره ما بدا لكم.
فأقبل النضر بن الحارث، وعقبة بن أبي معيط بن أبي عمرو بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي حتى قدما مكة على قريش، فقالا: يا معشر قريش، قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أخبرنا أحبار يهود أن نسأله عن أشياء أمرونا بها، فإن أخبركم عنها فهو نبي، وإن لم يفعل فالرجل متقول، فروا فيه رأيكم.
فجاءوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد، أخبرنا عن فتية ذهبوا في الدهر الأول قد كانت له قصة عجب، وعن رجل كان طوافا قد بلغ مشارق الأرض ومغاربها، وأخبرنا عن الروح ما هي؟
قال: فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبركم بما سألتم عنه غدا، ولم يستثن، فانصرفوا عنه. فمكث رسول الله صلى الله عليه وسلم - فيما يذكرون - خمس عشرة ليلة لا يحدث الله إليه في ذلك وحيا، ولا يأتيه جبريل، حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمد غدا واليوم خمس عشرة ليلة، قد أصبحنا منها لا يخبرنا بشئ مما سألناه عنه، وحتى أحزن رسول الله صلى الله عليه وسلم مكث الوحي عنه، وشق عليه ما يتكلم به أهل مكة، ثم جاءه جبريل من الله عز وجل بسور أصحاب الكهف، فيها معاتبته إياه على حزنه عليهم، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية، والرجل الطواف، والروح.