قال ابن إسحاق فذكر لي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجبريل حين جاءه: لقد احتبست عنى يا جبريل حتى سؤت ظنا، فقال له جبريل:
{وما نتنزل إلا بأمر ربك، له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك، وما كان ربك نسيا - 64 من سورة مريم}. فافتتح السورة تبارك وتعالى بحمده وذكر نبوة رسوله، لما أنكروا عليه من ذلك، فقال: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب - 1 من سورة الكهف} يعنى محمدا صلى الله عليه وسلم، إنك رسول منى: أي تحقيق لما سألوا عنه من نبوتك.
{ولم يجعل له عوجا قيما} أي معتدلا لا اختلاف فيه {لينذر بأسا شديدا من لدنه} أي عاجل عقوبته في الدنيا، وعذابا أليما في الآخرة، أي من عند ربك الذي بعثك رسولا. {ويبشر المؤمنين الذي يعملون الصالحات أن لهم أجرا حسنا ماكثين فيه أبدا} أي دار الخلد. لا يموتون فيها: الذي صدقوك بما جئت به مما كذبك به غيرهم، وعملوا بما أمرتهم به من الأعمال. {وينذر الذين قالوا اتخذ الله ولدا} يعنى قريشا في قولهم: إنا نعبد الملائكة، وهي بنات الله. {ما لهم به من علم ولا لآبائهم} الذين أعظموا فراقهم وعيب دينهم. {كبرت كلمة تخرج من أفواههم} أي لقولهم: إن الملائكة بنات الله. {إن يقولون إلا كذبا، فلعلك باخع نفسك} يا محمد {على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا} أي لحزنه عليهم حين فاته ما كان يرجوه منهم، أي لا تفعل.
قال ابن هشام: باخع نفسك، أي مهلك نفسك، فيما حدثني أبو عبيدة.
قال ذو الرمة:
ألا أيهذا الباخع الوجد نفسه * لشئ نحته عن يديه المقادر وجمعه: باخعون وبخعة. وهذا البيت في قصيدة له. وتقول العرب: قد بخعت له نصحي ونفسي، أي جهدت له. {إنا جعلنا ما على الأرض زينة