على المدينة، كتب عمر إليه يقول " انظر ما كان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فاكتبه، فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء، ولا تقبل إلا حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ولتفشوا العلم، ولتجلسوا حتى يعلم من لا يعلم، فإن العلم لا يهلك حتى يكون سرا " وأمر عمر غير ابن حزم بمثل ذلك، أمر محمد ابن مسلم بن شهاب الزهري - وهو أحد أئمة المسلمين، وعالم المدينة والشام، وشيخ مالك وابن أبي ذئب ومعمر والأوزاعي والليث - فدون له في ذلك كتابا.
وبدأت من ذلك الوقت حركة التدوين والتصنيف، بدأت - كما ترى - بتدوين حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، لان عمر رسم لهم ذلك، فكان العالم يجمع ما يرويه من الحديث في كتاب، غير متقيد بتمييز الموضوعات وضم ما يندرج من مروياته تحت مسألة واحدة أو مسائل متشابهة في باب واحد، وربما صنف أحدهم كتابا من الحديث في باب واحد من أبواب التشريع، وكانت أخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ ولادته إلى التحاقه بالرفيق الأعلى بعض ما عنى المحدثون بروايته، كما كانت بعض ما عنى العلماء بتدوينه على أنه جزء من الحديث.
ثم جاء بعد ذلك وقت رتب فيه المحدثون كتبهم، ونسقوا تصانيفهم، فكانوا يضمون الأحاديث التي يستدل بها على شئ واحد أو على مسائل يجمعها شئ واحد تحت باب واحد، فباب للوضوء، وباب للصلاة، وباب للزكاة، وباب للحج، وباب للنكاح، وهلم جرا، وكان من بين هذه الأبواب في الكتب الجامعة باب لاخبار النبي صلى الله عليه وسلم، يذكرون فيه ما يروونه عن ولادته ورضاعة وما بعدهما إلى بعثته، ثم يفصلون أحواله بعد البعثة في مكة من دعوة قريش إلى الدين وصبره على أذاهم له ولصحبه، ويفصلون كذلك أخباره في غزواته وجهاده وبعثه الرسل إلى الملوك والامراء وغير ذلك، وخصوا ذلك الباب أحيانا باسم " المغازي والسير ".