وعنايتهم لتتبع أخبار النبي صلى الله عليه وسلم وأقواله وأفعاله، ولم يتركوا شيئا مما يتصل بذلك إلا حفظته ذاكرتهم، ووعته قلوبهم، وروته ألسنتهم، ووهبهم الله صبرا على طلب ذلك عند أهله، والبحث عنه، مع حافظة واعية، ونفس صافية، وبصيرة نافذة، وقلب متدبر، وذهن يصل إلى قرارة ما يلقى إليه، ويتفهم المراد مما يسمع، ويعي حقيقة ما وقع له.
انقضى على هذه الحال عصر الصحابة كله وصدر من عصر بنى أمية، بل أكثر عصر بنى أمية، فلما أفضت الخلافة في آخر القرن الأول إلى أمير المؤمنين الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز بن مروان فكر في الامر، ورأى كثيرا من العلماء الذين رووا حديث رسول الله وأخباره ووعوا علوم المسلمين يموتون من غير أن يخلفوا شيئا من مروياتهم واجتهاداتهم التي أفنوا فيها أعمارهم وأنفذوا في تحصيلها أكثر أوقاتهم، وخشي - إن دام الحال على ذلك - أن تضيع علوم المسلمين، وتذهب أخبار رسولهم، ثم قد يكون ذلك سببا في الكذب والاختلاف والوضع إذا بعد العهد وطال الزمن، ورأى - مع ذلك - أن الحجة التي من أجلها امتنع الصحابة ومن بعدهم عن الكتابة والتدوين - وهي الخوف من اختلاف ما ليس من القرآن به - قد زالت، فقد أصبح القرآن الكريم محفوظا في الصدور، مرويا في المصاحف، ثابتا، مقروءا في الأمصار، بل رأى أن الامر قد صار إلى عكس ما كان عليه في عهد الصحابة، فلو أنهم سكتوا عن الكتابة كما سكتوا من قبل لذهب العلم وضاعت ثقة المسلمين - إذا طال الزمن - بما يروى لهم منه.
وحينئذ كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبى بكر بن حزم - وهو شيخ من شيوخ المحدثين وكبارهم، وهو شيخ معمر والليث والأوزاعي ومالك وابن إسحاق وابن أبي ذئب - وكان ابن حزم نائب عمر بن عبد العزيز في الامرة والقضاء