عيانا، ولجوا فيها هم عليه من الكفر، فقال قائلهم: لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون، أي اجعلوه لغوا وباطلا، واتخذوه هزؤا لعلكم تغلبونه بذلك، فإنكم إن ناظرتموه أو خاصمتموه [يوما] غلبكم.
فقال أبو جهل يوما وهو يهزأ برسول الله صلى الله عليه وسلم وما جاء به من الحق: يا معشر قريش، يزعم محمدا أنما جنود الله الذين يعذبونكم في النار ويحبسونكم فيها تسعة عشر، وأنتم أكثر الناس عددا، وكثرة، أفيعجز كل مئة رجل منكم عن رجل منهم! فأنزل الله تعالى عليه في ذلك من قوله:
{وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة، وما جعلنا عدتهم إلى فتنة للذين كفروا - 21 من سورة المدثر} إلى آخر القصة، فلما قال ذلك بعضهم لبعض، جعلوا إذا جهروا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالقرآن وهو يصلى يتفرقون عنه، ويأبون أن يستمعوا له، فكان الرجل منهم إذا أراد أن يستمع من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعض ما يتلو من القرآن وهو يصلى استرق السمع دونهم فرقا منهم، فإن رأى أنهم قد عرفوا أنه يستمع منه ذهب خشية أذاهم فلم يستمع، وإن خفض رسول الله صلى الله عليه وسلم صوته، فظن الذي يستمع أنهم لا يستمعون شيئا من قراءته، وسمع هو شيئا دونهم أصاخ له يستمع منه.
قال ابن إسحاق: حدثني داود بن الحصين، مولى عمرو بن عثمان، أن عكرمة مولى ابن عباس حدثهم أن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما حدثهم:
إنما نزلت هذه الآية: {ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها وابتغ بين ذلك سبيلا - 11 من سورة الإسراء} من أجل أولئك النفر. يقول:
لا تجهر بصلاتك فيتفرقوا عنك، ولا تخافت بها فلا يسمعها من يحب أن يسمعها ممن يسترق ذلك دونهم لعله يرعوي إلى بعض ما يسمع فينتفع به.
أول من جهر بالقرآن قال ابن إسحاق: وحدثني يحيى بن عروة بن الزبير عن أبيه قال: كان أول