فضل واستقامة، من أهل دينهم، لهم رأس يقال له عبد الله بن الثامر، وكان موقع أصل ذلك الدين بنجران، وهي بأوسط أرض العرب في ذلك الزمان، وأهلها وسائر العرب كلها أهل أوثان يعبدونها، وذلك أن رجلا من بقايا أهل ذلك الدين - يقال له فيميون - وقع بين أظهرهم، فحملهم عليه، فدانوا به.
ابتداء وقوع النصرانية بنجران قال ابن إسحاق: حدثني المغيرة بن أبي لبيد مولى الأخنس عن وهب بن منبه اليماني أنه حدثهم: أن موقع ذلك الدين بنجران كان أن رجلا من بقايا أهل دين عيسى بن مريم عليه السلام يقال له فيميون، وكان رجلا صالحا مجتهدا زاهدا في الدنيا، مجاب الدعوة، وكان سائحا ينزل بين القرى، لا يعرف بقرية إلا خرج منها إلى قرية لا يعرف بها، وكان لا يأكل إلا من كسب يديه، وكان بناء يعمل الطين، وكان يعظم الاحد، فإذا كان يوم الاحد لم يعمل فيه شيئا، وخرج إلا فلاة من الأرض يصلى بها حتى يمسي، قال: وكان في قرية من قرى الشام يعمل عمله ذلك مستخفيا، ففطن لشأنه رجل من أهلها يقال له صالح، فأحبه حبا لم يحبه شيئا كان قبله، فكان يتبعه حيث ذهب، ولا يفطن له فيميون، حتى خرج مرة في يوم الاحد إلى فلاة من الأرض، كما كان يصنع، وقد أتبعه صالح وفيميون لا يدرى، فجلس صالح منه منظر العين مستخفيا منه، لا يحب أن يعلم بمكانه، وقام فيميون يصلى، فبينما هو يصلى إذ أقبل نحوه التنين - الحية ذات الرؤوس السبعة - فلما رآها فيميون دعا عليها فماتت، ورآها صالح ولم يدر ما أصابها، فخافها عليه، فعيل عوله (1)، فصرخ: يا فيميون، التنين قد أقبل نحوك، فلم يلتفت إليه، وأقبل على صلاته حتى فرغ منها، وأمسى فانصرف، وعرف أنه قد عرف، وعرف صالح أنه .