سائرا إلى السميدع، ومع كتيبته عدتها من الرماح والدرق والسيوف والجعاب يقعقع بذلك معه، فيقال: ما سمى قعيقعان بقعيقعان إلا لذلك. وخرج السميدع من أجياد ومعه الخيل والرجال، فيقال: ما سمى أجياد أجيادا إلى لخروج الجياد من الخيل مع السميدع منه. فالتقوا بفاضح، واقتتلوا قتالا شديدا، فقتل السميدع، وفضحت قطوراء، فيقال: ما سمى فاضح فاضحا إلا لذاك. ثم إن القوم تداعوا إلى الصلح، فساروا حتى نزلوا المطابخ: شعبا بأعلى مكة، واصطلحوا به، وأسلموا الامر إلى مضاض، فلما جمع إليه أمر مكة فصار ملكها له، نحر للناس فأطعمهم فأطبخ الناس وأكلوا، فيقال: ما سميت المطابخ المطابخ إلا لذلك. وبعض أهل العلم يزعم أنها إنما سميت المطابخ لما كان تبع نحر بها وأطعم، وكانت منزله، فكان الذي كان بين مضاض والسميدع أول بغى كان بمكة فيما يزعمون.
ثم نشر الله ولد إسماعيل بمكة، وأخوالهم من جرهم، ولاة البيت والحكام بمكة، لا ينازعهم ولد إسماعيل في ذلك لخؤولتهم وقرابتهم، وإعظاما للحرمة أن يكون بها بغى أو قتال، فلما ضاقت مكة على ولد إسماعيل انتشروا في البلاد فلا يناوئون قوما إلا أظهرهم الله عليهم بدينهم فوطئوهم.
استيلاء قوم كنانة وخزاعة على البيت، ونفى جرهم ثم إن جرهما بغوا بمكة، واستحلوا خلالا من الحرمة فظلموا من دخلها من غير أهلها، وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى لها، فرق أمرهم. فلما رأت بنو بكر بن عبد مناة (1) بن كنانة، وغبشان من خزاعة ذلك، أجمعوا لحربهم وإخراجهم من مكة. فأذنوهم بالحرب فاقتتلوا، فغلبتهم بنو بكر وغبشان، فنفوهم من مكة، وكانت مكة في الجاهلية لا تقر فيها ظلما ولا بغيا، ولا يبغي فيها أحد إلا أخرجته، فكانت تسمى الناسة، ولا يريدها ملك يستحل حرمتها إلا .