بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه.
وبعد، فقد انقضى العصر الأول من عصور الاسلام المديدة والمسلمون لا يكتبون شيئا، إلا ما كان من عبد الله بن عمرو بن العاص فقد كتب لنفسه ما سمعه من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ولم يحدث ذلك منهم اتفاقا، ولا صرفتهم عن الكتابة والتدوين شواغل - وإن تكن شواغلهم آنذاك كثيرة، ولكنه كان أمرا قد قصدوه عن تفكير وروية، فقد فكروا وتدبروا، وأعملوا الرأي، وقدحوا زناد الروية، فوجدوا ذلك واجبا لا معدى عنه ولا مناص لهم منه. ذلك بأنهم سمعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " لا تكتبوا عنى، ومن كتب عنى غير القرآن فليمحه، وحدثوا عنى ولا حرج، ومن كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار " وإذا كانوا لا يكتبون حديث رسول الله ولا شيئا مما يسمعون منه غير القرآن فهم أشد انصرافا عن كتابة غير ذلك من فتاوى الصحابة وخطبهم وأحوالهم وأخبارهم ووقائعهم في العدو، وهم يجدون لذلك سببا يحملهم على الانصراف عن كتابة غير القرآن، ذلك أنهم كانوا يخافون أن يختلط بعض ما يكتبونه بالقرآن فيدخل في كتاب الله تعالى الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه ما ليس منه، أو يلتبس بعض القرآن ببعض ما كتبوه من غيره فيسقط من الكتاب الكريم بعض ما هو منه، لذلك رأوا ألا يكتبوا إلا القرآن، ليكون المكتوب هو القرآن، وليكون القرآن هو المكتوب.
ومع أنهم لم يكونوا يكتبون غير القرآن صرفوا همهم، وبذلوا غاية وسعهم