(أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء) فبعث الله تعالى عند ذلك نارا فأحرقتهم قالوا فلما رأى إبليس ما نزل بقومه من العذاب عرج إلى السماء فأقام عند الملائكة يعبد الله في السماء مجتهدا لم يعبده شئ من خلقه مثل عبادته فلم يزل مجتهدا في العبادة حتى خلق الله آدم فكان من أمره ومعصيته ربه ما كان وكان مما حدث في أيام سلطانه وملكه خلق الله تعالى ذكره أبانا آدم أبا البشر وذلك لما أراد جل جلاله أن يطلع ملائكته على ما قد علم من انطواء إبليس على الكبر ولم يعلمه الملائكة وأراد إظهار أمره لهم حين دنا أمره للبوار وملكه وسلطانه للزوال فقال عز ذكره لما أراد ذلك للملائكة " إني جاعل في الأرض خليفة " فأجابوه بأن قالوا " أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء " فروى عن ابن عباس أن الملائكة قالت ذلك كذلك للذي قد كانوا عهدوا من أمر الجن الذين كانوا سكان الأرض قبل ذلك فقالوا لربهم جل ثناؤه لما قال لهم " انى جاعل في الأرض خليفة ": أتجعل فيها من يكون فيها مثل الجن الذين كانوا فيها فكانوا يسفكون فيها الدماء ويفسدون فيها ويعصونك ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك فقال الرب تعالى ذكره لهم " إني أعلم ما لا تعلمون " يقول أعلم ما لا تعلمون من انطواء إبليس على التكبر وعزمه على خلافه أمرى وتسويل نفسه له الباطل واغتراره وأنا مبد ذلك لكم منه لتروا ذلك منه عيانا * وقيل أقوال كثيرة في ذلك قد حكينا منها جملا في كتابنا المسمى " جامع البيان عن تأويل آي القرآن " فكرهنا إطالة الكتاب بذكر ذلك في هذا الموضع. فلما أراد الله عز وجل أن يخلق آدم عليه السلام أمر بتربته أن تؤخذ من الأرض كما حدثنا أبو كريب قال حدثنا عثمان بن سعيد قال حدثنا بشر بن عمارة عن أبي روق عن الضحاك عن ابن عباس قال ثم أمر - يعنى الرب تبارك وتعالى - بتربة آدم فرفعت فخلق الله آدم من طين لازب واللازب اللزج الطيب من حمإ مسنون منتن قال وإنما كان حمئا مسنونا بعد التراب قال فخلق منه آدم بيده * حدثني موسى بن هارون
(٦٠)