فقال لهم سابور لا يكبرن هذا عندكم فإن الحيلة فيه يسيرة وأمر بالكتاب إلى أولئك الجنود جميعا بأنه انتهى إليه طول مكثهم في النواحي التي هم بها وعظم غنائهم عن أوليائهم وإخوانهم فمن أحب أن ينصرف إلى أهله فلينصرف مأذ وناله في ذلك ومن أحب أن يستكمل الفضل بالصبر في موضعه عرف ذلك له وتقدم إلى من اختار الانصراف في لزوم أهله وبلاده إلى وقت الحاجة إليه فلما سمع الوزراء ذلك من قوله استحسنوه وقالوا لو كان هذا قد أطال تجربة الأمور وسياسة الجنود ما زاد رأيه وصحة منطقه على ما سمعنا منه ثم تتابعت أخباره إلى البلدان والثغور بما قوم أصحابه وقمع أعداءه حتى تمت له ست عشرة سنة وأطاق حمل السلاح وركوب الخيل واشتد عظمه جمع إليه رؤساء أصحابه وأجناده ثم قام فيهم خطيبا ثم ذكر ما أنعم الله به عليه وعليهم بآبائه وما أقاموا من أدبهم ونفوا من أعدائهم وما اختل من أمورهم في الأيام التي مضت من أيام صباه وأعلمهم أنه يبتدئ العمل في الذب عن البيضة وأنه يقدر الشخوص إلى بعض الأعداء لمحاربته وأن عدة من يشخص معه من المقاتلة ألف رجل فنهض إليه القوم داعين متشكرين وسألوه أن يقيم بموضعه ويوجه القواد والجنود ليكفوه ما قدر من الشخوص فيه فأبى أن يجيبهم إلى المقام فسألوه الازدياد على العدة التي ذكرها فأبى ثم انتخب ألف فارس من صنا ديد جنده وأبطالهم وتقدم إليهم في المضي لامره ونهام عن الابقاء على ما لقوا من العرب والعرجة على إصابة مال ثم سار بهم فأوقع بمن انتجع بلاد فارس من العرب وهم غارون وقتل منهم أبرح القتل وأسر أعنف الأسر وهرب بقيتهم ثم قطع البحر في أصحابه فورد الخط واستقرى بلاد البحرين يقتل أهلها ولا يقبل فداء ولا يعرج على غنيمة ثم مضى عليه وجهه فورد هجر وبها ناس من أعراب تميم وبكر بن وائل وعبد القيس فأفشى فهم القتل وسفك فيهم من الدماء سفكا سالت كسيل المطر حتى كان الهارب منهم يرى أنه لن ينجيه منه غار في جبل ولا جزيرة في بحر ثم عطف إلى بلاد عبد القيس فأباد أهلها إلا من هرب منهم فلحق بالرمال ثم أتى اليمامة فقتل بها مثل تلك المقتله ولم يمر بماء من مياه العرب إلا
(٤٩١)