الآفة على قدر ما أصاب منها، ووكل بكل ذلك قوما ثقاتا، ذوي عدالة، ينفذونه، ويحملون الناس منه على النصفة.
ولم يكن في ملوك العجم ملك كان أجمع لفنون الأدب والحكم، ولا أطلب للعلم منه، وكان يقرب أهل الآداب والحكمة، ويعرف لهم فضلهم، وكان أكبر علماء عصره بزرجمهر بن البختكان، وكان من حكماء العجم وعقلائهم، وكان كسرى يفضله على وزرائه وعلماء دهره.
وكان كسرى ولى رجلا من الكتاب نبيها معروفا بالعقل والكفاية، يقال له بابك بن النهروان، ديوان الجند، فقال لكسرى: (أيها الملك، إنك قد قلدتني أمرا، من صلاحه أن تحتمل لي بعض الغلظة في الأمور: عرض الجنود في كل أربعة أشهر، وأخذ كل طبقة بكمال آلاتها، ومحاسبة المؤدبين على ما يأخذون على تأديب الرجال بالفروسية والرمي، والنظر في مبالغتهم في ذلك وتقصيرهم، فإن ذلك ذريعة إلى إجراء السياسة مجاريها.
فقال كسرى: ما المجاب بما قال بأحظى من المجيب، لاشتراكهما في فضله، وانفراد المجيب بعد بالراحة، فحقق مقالتك، وأمر، فبنيت له في موضع العرض مصطبة (1)، وبسط له عليها الفرش الفاخرة، ثم جلس، ونادى مناديه: لا يبقين أحد من المقاتلة إلا حضر العرض، فاجتمعوا، ولم ير كسرى فيهم، فأمرهم، فانصرفوا. وفعل ذلك في اليوم الثاني، ولم ير كسرى فانصرفوا، فنادى في اليوم الثالث: أيها الناس، لا يتخلفن من المقاتلة أحد، ولا من أكرم بالتاج والسرير، فإنه عرض لا رخصة فيه ولا محاباة.
وبلغ كسرى ذلك، فتسلح سلاحه، ثم ركب فاعترض على بابك، وكان