في المجوسية، فأبت، فورث ذلك منها ابنها أنوش زاذ وخالف أباه في الديانة، فغضب عليه، وأمر بحبسه في مدينة جنديسابور.
فلما غزا كسرى بلاد الشام بلغ أنوش زاذ مرضه ومقامه بحمص، استغوى أهل الحبس، وبث رسله في نصارى جنديسابور، وسائر كور الأهواز، وكسر السجن، وخرج، واجتمع إليه أولئك النصارى، فطرد عمال أبيه من كور الأهواز، واحتوى على الأموال، وأشاع بموت أبيه، وتهيأ للمسير نحو العراق.
وكتب خليفته بمدينة طيسفون يعلمه خبر ابنه، وما خرج إليه، فكتب إليه كسرى: (وجه إليه الجنود، وأكمش في حربه، واحتل لأخذه، فإن يأت القضاء عليه، فيقتل، فأهون دم، وأضيع نفس، واللبيب يعلم أن الدنيا لا يخلص صفوها، ولا يدوم عفوها، ولو كان شئ يسلم من شائبة إذن لكان الغيث الذي يحيي الأرض الميتة، ولكان النهار الذي يأتي الناس رقودا فيبعهم، وعميا فيضئ لهم، فكم مع ذلك من متأذ بالغيث ومتداع عليه من البنيان، وكم في سيوله وبروقه من هالك، وكم في هواجر النهار من ضرر وفساد، فاستأصل الثؤلول (1) الذي نجم بحدك، ولا يهولنك كثرة القوم، فليست لهم شوكة تبقى، وكيف تبقى النصارى وفي دينهم: أن الرجل منهم إن لطم خده الأيسر أمكن من الأيمن؟!، فإن استسلم أنوش زاذ وأصحابه فرد من كان منهم في المحابس إلى محابسهم، ولا تزدهم على ما كانوا فيه من ضيق ونقص المطعم والملبس، ومن كان منهم من الأساورة (2) فاضرب عنقه، ولا يكن منك عليهم رأفة، ومن كان منهم من سفل الناس وأوغادهم، فخل سبيلهم، ولا تعرض لهم، وقد فهمت ما ذكرت مما كان منك في نكال القوم الذين أظهروا شتم أنوش زاذ، وذكروا أمه، فاعلم أن أولئك ذوو أحقاد كامنة وعداوة باطنة، فجعلوا شتم