ونحن ولا حول سوى حول ربنا * نروح إلى الأوطان من أرض تدمر (1) وكان داود عليه السلام ابتدأ بناء مسجد بيت المقدس، فتوفي قبل استتمامه، فاستتمه سليمان، وأتم بناء مدينة إيليا (2)، وقد كان أبوه ابتدأها قبله، فبنى مسجدها بناء لم ير الناس مثله، وكان يضئ في ظلمة الليل الحندس إضاءة السراج الزاهر، لكثرة ما كان جعل فيه من الجواهر والذهب، وجعل اليوم الذي فرغ فيه منه عيدا في كل سنة، فلم يكن في الأرض عيد أبهى ولا أعظم خطرا منه، ولا أحسن منظرا، فلم يزل المسجد على ما بناه سليمان حتى غزا (بخت نصر) بيت المقدس، فأخر بها، ونقض المسجد، وأخذ ما كان فيه من الذهب والفضة والجوهر، فنقله إلى العراق.
قالوا: وكان سليمان مطعاما للطعام، فكان يذبح في مطابخة كل غداة ستة آلاف ثور، وعشرون ألف شاة. قالوا: ولما فرغ سليمان من بناء مسجد إيليا (3) تجهز سائرا إلى تهامة (4)، يريد بيت الله الحرام، فطاف به، وكساه، وذبح عنده، وأقام سبعا، ثم سار إلى صنعاء، وتفقد الطير، فلم ير الهدهد، فكان من حديثه وحديث صاحبه سبأ - وهي بلقيس - ما قد قصة الله تبارك وتعالى في كتابه (5)، إلى أن تزوجها وبنى بأرض اليمن ثلاثة حصون، لم ير الناس مثلها، وهي سلحين، وبينون، وغمدان، وانصرف سليمان إلى الشام، فكان يزورها في كل شهر، فيقيم عندها ثلاثا . وإنه غزا بلاد المغرب: الأندلس، وطنجة، وفرنجة، وإفريقية، ونواحيها من أرض