وإذا عرف المفهوم بحده وأصنافه فيجب أن تعلم قبل الخوض في الحجاج في هذه الأصناف أن مستند فهم الحكم في محل السكوت عند القائلين به إنما هو النظر إلى فائدة تخصيص محل النطق بالذكر دون غيره، وسواء كان ذلك من قبيل مفهوم الموافقة أو المخالفة، وإن افترقا من جهة أن فائدة التخصيص بالذكر في مفهوم الموافقة إنما هو تأكيد مثل حكم المنطوق في محل المسكوت عنه وفائدة التخصيص بالذكر في مفهوم المخالفة إنما هو نفي مثل حكم المنطوق في محل السكوت وذلك مما لا يعلم من مجرد تخصيص محل النطق بالذكر دون نظر عقلي يتحقق به أن التخصيص للتأكيد أو النفي، وذلك بأن ينظر إلى حكمة الحكم المنطوق به فإن عرفت وعرف تحققها في المحل المسكوت عنه وأنها أولى باقتضائها الحكم فيه من الحكم في محل النطق، علم أن فائدة التخصيص التأكيد وأن المفهوم مفهوم الموافقة (1) وإن لم يعلم حكمة الحكم المنطوق به، أو علمت غير أنها لم تكن متحققة في محل السكوت أو كانت متحققة فيه لكنها ليست أولى باقتضاء الحكم فيه (2) علم أن فائدة التخصيص إنما هي النفي (3) وأن المفهوم مفهوم المخالفة.
وإذا أتينا على تحقيق المفهوم وأصنافه، فلنرجع إلى المقصود من الحجاج في نفيه وإثباته، وما هو المختار في كل واحد من أصنافه، فنقول:
أما مفهوم الموافقة فقد اتفق الكل على صحة الاحتجاج به سوى الظاهرية، وإن اختلفوا في دلالته، هل هي لفظية أو قياسية، على ما سبق. والمتفقون على صحة مفهوم الموافقة اختلفوا في صحة الاحتجاج بمفهوم المخالفة، فيجب الخوض فيما يتعلق به من المسائل، وهي تسع مسائل