وما زاد، وامتناع أذيته بما فوق التعبيس من هجر الكلام وغيره، ولذلك كان المفهوم من قول النبي (ص): احفظ عفاصها ووكاءها حفظ ما التقط من الدنانير ومن قوله (ص)، في الغنيمة: أدوا الخيط والمخيط أداء الرحال والنقود وغيرها، ومن قوله: من سرق عصا مسلم، فعليه ردها رد ما زاد على ذلك. وكذلك لو حلف أنه لا يأكل لفلان لقمة، ولا يشرب من مائه جرعة، كان ذلك موجبا لامتناعه من أكل ما زاد على اللقمة كالرغيف وشرب ما زاد على الجرعة، إلى نظائره.
غير أن الخلاف واقع في أن مستند الحكم في محل السكوت، هل هو فحوى الدلالة اللفظية، أو الدلالة القياسية.
وقد احتج القائلون بالفحوى بأن العرب إنما وضعت هذه الألفاظ للمبالغة في التأكيد للحكم في محل السكوت. وأنها أفصح من التصريح بالحكم في محل السكوت.
ولهذا، فإنهم إذا قصدوا المبالغة في كون أحد الفرسين سابقا للآخر، قالوا هذا الفرس لا يلحق غبار هذا الفرس وكان ذلك عندهم أبلغ من قولهم هذا الفرس سابق لهذا الفرس وكذلك إذا قالوا فلان يأسف بشم رائحة مطبخه فإنه أفصح عندهم وأبلغ من قولهم فلان لا يطعم ولا يسقي.
واحتج القائلون بكونه قياسا أنا لو قطعنا النظر عن المعنى الذي سيق له الكلام من كف الأذى عن الوالدين، وعن كونه في الشتم والضرب، أشد منه في التأفيف، لما قضى بتحريم الشتم والضرب إجماعا، ولما سبق من جواز أمر الملك للجلاد بقتل والده، والنهي عن التأفيف له، فالتأفيف أصل، والشتم والضرب فرع، ودفع الأذى علة، والتحريم حكم، ولا معنى للقياس إلا هذا. وسموا ذلك قياسا جليا نظرا إلى أن الوصف الجامع بين الأصل والفرع ثابت بالتأثير.
والأشبه إنما هو المذهب الأول، وهو الاسناد إلى فحوى الدلالة اللفظية.
وما قيل من أنه لا بد من فهم المعنى، وكونه في محل السكوت أولى بالحكم في محل النطق. فهو شرط تحقق الفحوى، ولا مناقضة بينه وبين الفحوى، ويدل على أنه ثابت بالفحوى لا بالقياس أمران