المسألة الخامسة اتفق الكل على أن مفهوم اللقب ليس بحجة خلافا للدقاق وأصحاب الإمام أحمد بن حنبل، رحمه الله.
وصورته أن يعلن الحكم إما باسم جنس، كالتنصيص على الأشياء الستة بتحريم الربا، أو باسم علم، كقول القائل: زيد قائم أو قام.
والمختار إنما هو مذهب الجمهور، لكن قد احتج بعض القائلين بإبطاله بحجج لا بد من الإشارة إليها والتنبيه على ما فيها، ثم نذكر بعد ذلك ما هو المختار.
الحجة الأولى: لو كان مفهوم اللقب حجة، لبطل القياس، وذلك ممتنع.
وبيان لزوم ذلك أن القياس لا بد فيه من أصل، وحكم الأصل إما أن يكون منصوصا أو مجمعا عليه: فلو كان النص على الحكم في الأصل أو الاجماع عليه يدل على نفي الحكم عن الفرع، فالحكم في الفرع إن ثبت بالنص أو الاجماع، فلا قياس.
وإن ثبت بالقياس على الأصل، فهو ممتنع لما فيه من مخالفة النص أو الاجماع الدال على نفي الحكم في الفرع.
ولقائل أن يقول: النص الوارد في الأصل، وإن دل على نفي الحكم في الفرع فليس بصريحه، بل بمفهومه، وذلك مما لا يمنع عند القائلين به من إثبات الحكم بمعقول النص، وهو القياس، فلا يفضي إلى إبطال القياس، وغايته التعارض، لا الابطال.
الحجة الثانية: أنه لو كان مفهوم اللقب حجة ودليلا، لكان القائل إذا قال عيسى رسول الله فكأنه قال محمد ليس برسول الله وكذلك إذا قال زيد موجود فكأنه قال الاله ليس بموجود وهو كفر صراح، ولم يقل بذلك قائل ولقائل أن يقول من الخصوم إنما لا يكون المتكلم بذلك كافرا إذا لم يكن متنبها لدلالة اللفظ، أو كان متنبها لها، غير أنه لم يرد بلفظه ما دل عليه مفهومه، وأما إذا كان متنبها لدلالة لفظه وهو مريد لمدلولها، فإنه يكون كافرا.