الفصل الثالث في الفرق بين التخصيص والنسخ نقول إن التخصيص والنسخ وإن اشتركا من جهة أن كل واحد منهما قد يوجب تخصيص الحكم ببعض ما تناوله اللفظ لغة، غير أنهما يفترقان من عشرة أوجه:
الأول: أن التخصيص يبين أن ما خرج عن العموم لم يكن المتكلم قد أراد بلفظه الدلالة عليه، والنسخ يبين أن ما خرج لم يرد التكليف به، وإن كان قد أراد بلفظه الدلالة عليه.
الثاني: أن التخصيص لا يرد على الامر بمأمور واحد، والنسخ قد يرد على الامر بمأمور واحد.
الثالث: أن النسخ لا يكون في نفس الامر إلا بخطاب من الشارع، بخلاف التخصيص، فإنه يجوز بالقياس وبغيره من الأدلة العقلية والسمعية.
الرابع: أن الناسخ لا بد وأن يكون متراخيا عن المنسوخ، بخلاف المخصص فإنه يجوز أن يكون متقدما على المخصص ومتأخرا عنه، كما سبق تحقيقه.
الخامس: أن التخصيص لا يخرج العام عن الاحتجاج به مطلقا في مستقبل الزمان فإنه يبقى معمولا به فيما عدا صورة التخصيص، بخلاف النسخ، فإنه قد يخرج الدليل المنسوخ حكمه عن العمل به في مستقبل الزمان بالكلية، وذلك عند ما إذا ورد النسخ على الامر بمأمور واحد.
السادس: أنه يجوز التخصيص بالقياس، ولا يجوز به النسخ.
السابع: أن النسخ رفع الحكم بعد أن ثبت، بخلاف التخصيص.
الثامن: أنه يجوز نسخ شريعة بشريعة، ولا يجوز تخصيص شريعة بأخرى.
التاسع: أن العام يجوز نسخ حكمه حتى لا يبقى منه شئ، بخلاف التخصيص.
العاشر: وهو ما ذكره بعض المعتزلة، أن التخصيص أعم من النسخ، وأن كل نسخ تخصيص، وليس كل تخصيص نسخا، إذ النسخ لا يكون إلا بتخصيص الحكم ببعض الأزمان، والتخصيص يعم تخصيص الحكم ببعض الأشخاص وبعض الأحوال وبعض الأزمان، وفيه نظر،