وإذ أتينا على تفصيل المذاهب من الجانبين، فلا بد من ذكر حجج الفريقين والتنبيه على ما فيها، ثم نذكر بعد ذلك ما هو المختار.
أما القائلون بالاثبات فقد احتجوا بحجج نقلية وعقلية أما الحجج النقلية فست حجج.
الحجة الأولى: أنهم قالوا إن أبا عبيد القاسم بن سلام من أهل اللغة، وقد قال بدليل الخطاب في قوله (ص): لي الواجد يحل عرضه وعقوبته (1) حيث قال إنه أراد به أن من ليس بواجد لا يحل عرضه وعقوبته والواجد هو الغني وليه مطله ومعنى إحلال عرضه مطالبته، وعقوبته حبسه. وقال في قوله (ص): مطل الغنى ظلم، مطل غير الغنى ليس بظلم، وقال عليه السلام (لان يمتلئ جوف أحدكم قيحا خير له من أن يمتلئ شعرا) (2) وقد قيل له إن: النبي (ص)، إنما أراد الهجاء من الشعراء أو هجاء الرسول، فقال: لو كان ذلك هو المراد، لم يكن لتعليق ذلك بالكثرة وامتلاء الجوف منه معنى لان ما دون ملء الجوف من ذلك ككثيره.
ووجه الاحتجاج به أنه فهم أن تعليق الذم على امتلاء الجوف من ذلك مخالف لما دونه.
ولقائل أن يقول: حكم أبي عبيد بذلك إن ادعيتم أنه كان نقلا عن العرب، فهو غير مسلم، وليس في لفظه ما يدل على النقل. وإن قلتم إن ذلك كان بناء على مذهبه واجتهاده، فغايته أنه مجتهد فيه، فلا يكون ذلك حجة على غيره من المجتهدين المخالفين له في ذلك كيف وإنه لو ذكر ذلك نقلا، فلا نسلم كونه حجة في مثل هذه القاعدة اللغوية لكونه من أخبار الآحاد، ثم هو معارض بمذهب الأخفش (3)