خاصا، لكون النص الخاص والاجماع مقدما على القياس الظني بالاتفاق، وإن كان عاما، فلا نسخ، لان القياس ليس بخطاب على ما سبق. وإن كان قياسا، فلا بد وأن يكون القياس الثاني راجحا على الأول.
وعند ذلك، فتارة نقول إن القياس الأول لا يكون قياسا لعدم ترجحه، وإن الترجح شرط في الاقتضاء، وتارة نقول إنه وإن لزم منه رفع حكمه، فهو في معنى النسخ، ولكنه ليس بنسخ، لما بيناه من أن النسخ هو الخطاب الدال على ارتفاع حكم خطاب. وهو غير متحقق فيما نحن فيه. وللمخالف شبهتان:
الأولى قوله تعالى * (الآن خفف الله عنكم، وعلم أن فيكم ضعفا، فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين، وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين بإذن الله) * (8) الأنفال: 66) أوجب نسخ ثبات الواحد للعشرة، وليس مصرحا به، وإنما هو منبه عليه، وذلك هو نفس نسخ حكم النص بالقياس.
الثاني أنهم قالوا: النسخ أحد البيانين، فجاز بالقياس كالتخصيص.
والجواب عن الأولى أنها إنما تصح إن لو كان ثبوت الواحد للاثنين الرافع ثبوت الواحد للعشرة مستفادا من القياس، وليس كذلك، بل استفادته إنما هي من نفس مفهوم اللفظ.
وعن الثانية أنها منقوضة بالاجماع وبدليل العقل وبخبر الواحد، فإنه يخصص به، ولا ينسخ به.
المسألة الخامسة عشرة اتفق الكل على جواز النسخ بفحوى الخطاب، كدلالة قوله تعالى: * (ولا تقل لهما أف) * (17) الاسراء: 23) على تحريم الضرب وغيره من أنواع الأذى، وعلى جواز نسخ حكمه.
وإنما اختلفوا في جواز نسخ الأصل دون الفحوى، والفحوى دون الأصل.
غير أن الأكثر على أن نسخ الأصل يفيد نسخ الفحوى، لان الفحوى تابع للأصل، ولا يتصور بقاء التابع مع ارتفاع المتبوع.
وأما نسخ الفحوى دون الأصل، فقد تردد فيه قول القاضي عبد الجبار، فجوزه تارة نظر إلى أن ذلك جار مجرى التنصيص على تحريم التأفيف وتحريم