الفصل الثالث في بيان مراتب إفضاء الحكم إلى المقصود من شرع الحكم، واختلافها المقصود إما أن يكون حاصلا من شرع الحكم يقينا أو ظنا، أو أن الحصول وعدمه متساويان، أو أن عدم الحصول راجح على الحصول.
أما الأول: فمثاله إفضاء الحكم بصحة التصرف بالبيع إلى إثبات الملك.
وأما الثاني: فكشرع القصاص المرتب على القتل العمد العدوان صيانة للنفس المعصومة عن الفوات، فإنه مظنون الحصول راجح الوقوع، إذ الغالب من حال العاقل أنه إذا علم أنه إذا قتل قتل، أنه لا يقدم على القتل، فتبقى نفس المجني عليه، إلى نظائره من الزواجر، وليس ذلك مقطوعا به لتحقق الاقدام على القتل، مع شرع القصاص كثيرا.
وأما القسم الثالث: فقلما يتفق له في الشرع مثال على التحقيق، بل على طريق التقريب، وذلك، كشرع الحد على شرب الخمر، لحفظ العقل، فإن إفضاءه إلى ذلك متردد، حيث إنا نجد كثرة الممتنعين عنه مقاومة لكثرة المقدمين عليه، لا على وجه الترجيح والغلبة لاحد الفريقين على الآخر في العادة.
ومثال القسم الرابع إفضاء الحكم بصحة نكاح الآيسة إلى مقصود التوالد والتناسل، فإنه، وإن كان ممكنا عقلا، غير أنه بعيد عادة، فكان الافضاء إليه مرجوحا.
فهذه الأقسام الأربعة وإن كانت مناسبة نظرا إلى أنها موافقة للنفس، غير أن أعلاها القسم الأول لتيقنه، ويليه الثاني لكونه مظنونا راجحا. ويليه الثالث لتردده، ويليه الرابع لكونه مرجوحا. والقسمان الأولان متفق على صحة التعليل بهما عند القائلين بالمناسبة.
وأما القسم الثالث والرابع، فلكون المقصود فيهما غير ظاهر، للمساواة في الثالث، والمرجوحية في الرابع. فالاتفاق واقع على صحة التعليل بهما إذا كان ذلك في آحاد الصور الشاذة، وكان المقصود ظاهرا من الوصف في غالب صور الجنس، وإلا فلا. وذلك، كما ذكرناه من مثال صحة نكاح الآيسة لمقصود التوالد، فإنه وإن