المسألة السادسة اللفظ الوارد إذا أمكن حمله على ما يفيد معنى واحدا، وعلى ما يفيد معنيين، قال الغزالي وجماعة من الأصوليين: هو مجمل لتردده بين هذين الاحتمالين.
والذي عليه الأكثر أنه ليس بمجمل، بل هو ظاهر فيما يفيد معنيين. وهذا هو المختار وقبل الخوض في الحجاج، لا بد من تلخيص محل النزاع فنقول: اللفظ الوارد إما أن يظهر كونه حقيقة فيما قيل من المحملين مع اختلافهما أو كونه حقيقة في أحدهما، مجازا في الآخر، أو لم يظهر أحد الامرين: فإن كان من القسم الأول أو الثاني، فلا معنى للخلاف فيه أما الأول فلتحقق إجماله وأما الثاني فلتحقق الظهور في أحد المحملين: وإنما النزاع في القسم الثالث ويجب اعتقاد نفي الاجمال فيه للاجمال والتفصيل:
أما الاجمال فما تقدم في المسألة المتقدمة.
وأما التفصيل فهو أن الكلام إنما وضع للإفادة، ولا سيما كلام الشارع.
ولا يخفى أن ما يفيد معنيين أكثر في الفائدة، فيجب اعتقاد كون اللفظ ظاهرا فيه . فإن قيل: هذا الترجيح معارض بترجيح آخر، وهو إن الغالب من الألفاظ الواردة هي المفيدة لمعنى واحد، بخلاف المفيد لمعنيين. وعند ذلك فاعتقاد أدراج ما نحن فيه تحت الأعم الأغلب أغلب.
قلنا: يجب اعتقاد الترجيح فيما ذكرناه، وذلك لأنه لا يخلو إما أن يقال بالتساوي بين الاحتمالين أو التفاوت.
القول بالتساوي يلزم منه تعطيل دلالة اللفظ وامتناع العمل به مطلقا، إلى حين قيام الدليل، وذلك على خلاف الأصل.
وإن قبل بالتفاوت والترجيح، فإما أن يكون فيما يفيد معنى واحدا، أو فيما يفيد معنيين: لا سبيل إلى الأول، إذ القائل قائلان: قائل يقول بالاجمال، ففيه نفي الترجيح عن المعنيين، وقائل يقول بأنه ظاهر راجح فيما يفيد معنيين دون ما يفيد معنى واحدا، فقد وقع الاتفاق على نفي الترجيح فيما يفيد معنى واحدا، فتعين الترجيح لما يفيد معنيين.