قال رأيت أسدا أو بحرا، أو دخل السلطان البلد بأن يقال هل رأيت الحيوان المخصوص أو إنسانا شجاعا؟ وهل رأيت البحر الذي هو الماء المخصوص أو إنسانا كريما؟ وهل رأيت السلطان نفسه أو عسكره؟ مع أن لفظه ظاهر في أحد المعنيين دون الآخر.
الحجة الثالثة: لو كان تعليق الحكم على الصفة يدل على نفيه عن غير المتصف بها لكان في الخبر كذلك ضرورة اشتراك الامر والخبر في التخصيص بالصفة، واللازم ممتنع. ولهذا، فإنه لو قال رأيت الغنم السائمة ترعى فإنه لا يدل على عدم رؤية المعلوفة منها.
ولقائل أن يقول. الاستشهاد بالخبر، وإن كان كثيرا ما يستروح إليه المنكرون لدليل الخطاب، إلا أنه ممنوع عند القائلين بدليل الخطاب، ولا فرق عندهم في تعليق الحكم بالصفة بين الامر والخبر.
ولهذا، فإنه لو قال القائل الفقهاء الشافعية فضلاء أئمة فإن سامعه من فقهاء الحنفية وغيرهم تشمئز نفسه من ذلك، وتكبر عن سماعه، لا لوصفه لهم بذلك، بل لما فيه من الاشعار بسلب ذلك عمن ليس بشافعي. وهذا الشعور مما لا يختلف فيه الامر والخبر عندهم، وإن سلم امتناع ذلك في الخبر، فحاصل ما ذكروه يرجع إلى القياس في اللغة وهو ممتنع لما سبق. وبتقدير صحة القياس في اللغة فالفرق بين الخبر والامر ظاهر، وذلك أنه إذا أخبر وقال رأيت خبزا سميذا، ولحما طريا، ورطبا جنيا إنما يخبر عما شاهده وعلمه، ولا يلزم من مشاهدته لذلك أن لا يكون قد شاهد ما ليس على هذه الصفة. وإذا قال لعبده اشتر خبزا سميذا، ولحما طريا ورطبا جنيا مع علمه بأن الخبز الخشكار، واللحم والرطب البايت، مما يباع في السوق، فقوله ذلك إنما يقصد به البيان، وتمييز ما يشترى عما لا يشترى، فكان النفي ملازما للاثبات.
الحجة الرابعة: أن أهل اللغة فرقوا بين العطف والنقض فقالوا: قول القائل:
اضرب الرجال الطوال والقصار فالقصار عطف، وليس بنقض للأول، ولو كان قوله اضرب الرجال الطوال مقتضيا لنفي الضرب عن القصار، لكان نقضا لا عطفا.