المسألة الثالثة اختلفوا في الخطاب إذا قيد الحكم بغاية، كما في قوله تعالى: * (ثم أتموا الصيام إلى الليل) * (2) البقرة: 187) وقوله تعالى: * (ولا تقربوهن حتى يطهرن) * (2) البقرة: 222) وقوله: * (فلا تحل له من بعد، حتى تنكح زوجا غيره) * (2) البقرة: 230) وقوله: * (حتى يعطوا الجزية) * فذهب أكثر الفقهاء وجماعة من المتكلمين، كالقاضي أبي بكر والقاضي عبد الجبار وأبي الحسين البصري وغيرهم، إلى أن ذلك يدل على نفي الحكم فيما بعد الغاية وخالف في ذلك أصحاب أبي حنيفة وجماعة من الفقهاء والمتكلمين وهو المختار وذلك لأنه لو دل تقييد الحكم بالغاية المحدودة على نفي الحكم فيما بعد الغاية لم يخل إما أن يدل عليه بصريح لفظه أو بأنه لو لم يكن دالا على نفي الحكم فيما بعد الغاية، لما كان التقييد بالغاية مفيدا أو من جهة أخرى الأول محال، لان اللفظ بصريحه لم يدل على نفي الحكم بعد الغاية، والثاني إنما يلزم أن لو لم يكن للتقييد فائدة سوى ما ذكروه، وليس كذلك، بل جاز أن تكون فائدة التقييد تعريف بقاء ما بعد الغاية على ما كان قبل الخطاب أي أنه متعرض فيه لاثبات الحكم ولا نفيه. وإن كان الثالث، فالأصل عدمه، وعلى مدعيه بيانه.
وأيضا فإنه لا مانع من ورود الخطاب فيما بعد الغاية بمثل الحكم السابق قبل الغاية بالاجماع.
وعند ذلك، إما أن يكون تقييد الحكم بالغاية نافيا للحكم فيما بعدها، أو لا يكون: والأول يلزم منه إثبات الحكم مع تحقق ما ينفيه، وهو خلاف الأصل. وإن كان الثاني، فهو المطلوب.
فإن قيل: ما ذكرتموه معارض بما يدل على نقيضه وبيانه أن كلمة (حتى) و (إلى) لانتهاء الغاية، وهي جارية مجرى قوله صوموا صوما أخره الليل ولو قال ذلك لمنع من وجوب الصوم بعد مجئ