المسلك الخامس - في إثبات العلة المناسبة والإحالة (1).
ويشتمل على ثمانية فصول الفصل الأول في تحقيق معنى المناسب قال أبو زيد: (2) المناسب عبارة عما لو عرض على العقول تلقته بالقبول.
وما ذكروه، وإن كان موافقا للوضع اللغوي حيث يقال هذا الشئ مناسب لهذا الشئ، أي ملائم له، غير أن تفسير المناسب بهذا المعنى وإن أمكن أن يتحققه الناظر مع نفسه، فلا طريق للمناظر إلى إثباته على خصمه في مقام النظر لامكان أن يقول الخصم: هذا مما لم يتلقه عقلي بالقبول، فلا يكون مناسبا بالنسبة إلي، وإن تلقاه عقل غيري بالقبول. فإنه ليس الاحتجاج علي بتلقي عقل غيري له بالقبول، أولى من الاحتجاج على غيري بعدم تلقي عقلي له بالقبول.
وعلى هذا بني أبو زيد امتناع التمسك في إثبات العلة في مقام النظر بالمناسبة وقران الحكم بها، وإن لم يمتنع التمسك بذلك في حق الناظر، لأنه لا يكابر نفسه فيما يقضي به عقله.
والحق في ذلك أن يقال: المناسب عبارة عن وصف ظاهر منضبط يلزم من ترتيب الحكم على وفقه حصول ما يصلح أن يكون مقصودا من شرع ذلك الحكم.
وسواء كان ذلك الحكم نفيا أو إثباتا. وسواء كان ذلك المقصود جلب مصلحة أو دفع مفسدة. وهو أيضا غير خارج عن وضع اللغة لما بينه وبين الحكم من التعلق والارتباط. وكل ما له تعلق بغيره وارتباط فإنه يصح لغة أن يقال إنه مناسب له. ولا يخفى إمكان إثبات مثل ذلك في مقام النظر على الخصم، بما لو أعرض عنه الخصم وأصر معه على المنع، كان معاندا.