وأما تنقيح المناط فهو النظر والاجتهاد في تعيين ما دل النص على كونه علة، من غير تعيين بحذف ما لا مدخل له في الاعتبار مما اقترن به من الأوصاف، كل واحد بطريقة (1)، كما علم فيما تقدم، مما ذكرناه من التعليل بالوقاع في قصة الأعرابي، فإنه وإن كان مومى إليه بالنص، غير أنه يفتقر في معرفته عينا إلى حذف كل ما اقترن به من الأوصاف عن درجة الاعتبار بالرأي والاجتهاد، وذلك بأن يبين أن كونه أعرابيا، وكونه شخصا معينا، وأن كون ذلك الزمان وذلك الشهر بخصوصه، وذلك اليوم بعينه، وكون الموطوءة زوجة وامرأة معينة، لا مدخل له في التأثير، بما يساعد من الأدلة في ذلك حتى يتعدى إلى كل من وطئ في نهار رمضان عامدا، وهو مكلف صائم. وهذا النوع، وإن أقر به أكثر منكري القياس، فهو دون الأول. وأما تخريج المناط فهو النظر والاجتهاد في إثبات علة الحكم الذي دل النص أو الاجماع عليه دون عليته.
وذلك كالاجتهاد في إثبات كون الشدة المطربة علة لتحريم شرب الخمر، وكون القتل العمد العدوان علة لوجوب القصاص في المحدد (2)، وكون الطعم علة ربا الفضل في البر ونحوه، حتى يقاس عليه كل ما ساواه في علته، وهذا في الرتبة دون النوعين الأولين، ولذلك أنكره أهل الظاهر والشيعة وطائفة من المعتزلة البغداديين.
تم الجزء الثالث - ويليه الجزء الرابع - وأوله.
الباب الثالث في أقسام القياس - وأنواعه.
أعان الله على اتمامه بمنه وكرمه.