الحجة الخامسة: ما روي أن يعلى بن أمية قال لعمر: ما بالنا نقصر، وقد أمنا وقد قال الله تعالى: * (فليس عليكم جناح أن تقصروا من الصلاة إن خفتم) * (4) النساء: 101) ووجه الاحتجاج به أنه فهم من تخصيص القصر بحالة الخوف عدم القصر عند عدم الخوف، ولم ينكر عليه عمر، بل قال: لقد عجبت مما عجبت منه، فسألت النبي (ص) عن ذلك، فقال لي: هي صدقة تصدق الله بها عليكم، فاقبلوا صدقته ويعلى بن أمية وعمر من فصحاء العرب، وقد فهما ذلك. والنبي (ص)، أقرهما عليه.
ولقائل أن يقول: لا نسلم صحة الاحتجاج بخبر الواحد ها هنا، وإن سلمنا لكن يحتمل أن يعلى وعمر بنيا عدم القصر على استصحاب الحال في حالة الامن، لا على دليل الخطاب، وليس أحد الامرين أولى من الآخر، بل البناء على الاستصحاب أولى، دفعا للتعارض بين الدليل المجوز للقصر حالة الامن، والدليل النافي له.
الحجة السادسة: أنه إذا قال العربي لوكيله اشتر لي عبد ا أسود فهم منه عدم الشراء للأبيض، حتى إنه لو اشترى أبيض لم يكن ممتثلا، وكذلك إذا قال الرجل لزوجته أنت طالق إن دخلت الدار فهم منه انتفاء الطلاق عند عدم الدخول.
ولقائل أن يقول: ليس ذلك مفهوما من دليل الخطاب بل عدم شراء الأبيض وعدم وقوع الطلاق قبل دخول الدار إنما كان مستندا إلى النفي الأصلي ولهذا فإنه لو قال له لا تشتر لي عبد ا أسود وقال لزوجته إن دخلت الدار، فلست طالقة فإنه لا يصح شراؤه لعبد غير أسود، ولا يقع بالزوجة الطلاق بتقدير عدم دخول الدار لبقاء ذلك على النفي الأصلي، ولو كان نفي الحكم في محل السكوت مما يدل عليه ذكر الحكم في محل النطق، لصح شراء عبد ليس بأسود، وطلقت الزوجة بتقدير عدم دخول الدار. وعلى هذا فكل خطاب ورد في الشرع أو اللغة بحكم مخصص بصفة، وهو منفى عما عدا تلك الصفة، فهو مبني على استصحاب الحال، لا على دليل الخطاب.
وأما الحجج العقلية فخمس حجج.