الفصل الثاني في تحقيق معنى المقصود المطلوب من شرع الحكم المقصود من شرع الحكم إما جلب مصلحة، أو دفع مضرة، أو مجموع الامرين بالنسبة إلى العبد، لتعالي الرب تعالى عن الضرر والانتفاع. وربما كان ذلك مقصودا للعبد لأنه ملائم له، وموافق لنفسه.
ولذلك، إذا خير العاقل بين وجود ذلك وعدمه، اختار وجوده على عدمه.
وإذا عرف أن المقصود من شرع الحكم إنما هو تحصيل المصلحة أو دفع المضرة ، فذلك إما أن يكون في الدنيا أو في الآخرة.
فإن كان في الدنيا، فشرع الحكم إما أن يكون مفضيا إلى تحصيل أصل المقصود ابتداء، أو دواما، أو تكميلا.
فالأول: مثل القضاء بصحة التصرف الصادر من الأهل في المحل تحصيلا لأصل المقصود المتعلق به من الملك أو المنفعة، كما في البيع والإجارة ونحوهما.
وأما الثاني: فكالقضاء بتحريم القتل، وإيجاب القصاص على من قتل عمدا عدوانا، لافضائه إلى دوام المصلحة المعلقة بالنفس الانسانية المعصومة.
وأما الثالث، فكالحكم باشتراط الشهادة ومهر المثل في النكاح، فإن مكمل لمصلحة النكاح، لا أنه محصل لأصلها لحصولها بنفس اعتبار التصرف وصحته.
وأما في الأخرى فالمقصود العائد إليها من شرع الحكم لا يخرج عن جلب الثواب، ودفع العقاب.
فالأول كالحكم بإيجاب الطاعات وأفعال العبادات، لافضائه إلى نيل الثواب ورفع الدرجات.
والثاني فكالحكم بتحريم أفعال المعاصي، وشرع الزواجر عليها دفعا لمحذور العقاب المرتب عليها.