القسم الخامس: المناسب الذي لم يشهد له أصل بالاعتبار بوجه من الوجوه، وظهر مع ذلك إلغاؤه وإعراض الشارع عنه في صوره، فهذا مما اتفق على إبطاله، وامتناع التمسك به. وذلك كقول بعض العلماء، لبعض الملوك، لما جامع في نهار رمضان وهو صائم يجب عليك صوم شهرين متتابعين. فلما أنكر عليه، حيث لم يأمره بإعتاق رقبة مع اتساع ماله، قال لو أمرته بذلك لسهل عليه ذلك واستحقر إعتاق رقبة في قضاء شهوة فرجه، فكانت المصلحة في إيجاب الصوم، مبالغة في زجره. فهذا وإن كان مناسبا، غير أنه لم يشهد له شاهد في الشرع بالاعتبار مع ثبوت الغاية بنص الكتاب.
الفصل الثامن في إقامة الدلالة على أن المناسبة والاعتبار دليل كون الوصف علة وذلك، لان الاحكام إنما شرعت لمقاصد العباد. أما أنها مشروعة لمقاصد وحكم فيدل عليه الاجماع والمعقول.
أما الاجماع: فهو أن أئمة الفقه مجمعة على أن أحكام الله تعالى لا تخلو عن حكمة ومقصود، وإن اختلفوا في كون ذلك بطريق الوجوب، كما قالت المعتزلة، أو بحكم الاتفاق والوقوع من غير وجوب كقول أصحابنا (1) وأما المعقول فهو أن الله تعالى حكيم في صنعه، فرعاية الغرض في صنعه، إما أن يكون واجبا، أو لا يكون واجبا:
فإن كان واجبا، فلم يخل عن المقصود، وإن لم يكن واجبا، ففعله للمقصود يكون أقرب إلى موافقة المعقول من فعله بغير مقصود، فكان المقصود لازما من فعله ظنا. وإذا كان المقصود لازما في صنعه فالاحكام من صنعه (2) فكانت لغرض ومقصود. والغرض إما أن يكون عائدا إلى