الصنف الثامن في البيان والمبين ويشتمل على مقدمة ومسائل أما المقدمة، ففي تحقيق معنى البيان والمبين واختلاف الناس في العبارات الدالة عليهما، وما هو المختار في ذلك.
أما البيان: فاعلم أنه لما كان متعلقا بالتعريف والاعلام بما ليس بمعروف ولا معلوم، وكان ذلك مما يتوقف على الدليل، والدليل مرشد إلى المطلوب، وهو العلم أو الظن الحاصل عن الدليل، ولم يخرج البيان عن التعريف والدليل، والمطلوب الحاصل من الدليل، لعدم معنى رابع يفسر به البيان، فلا جرم اختلف الناس.
فقال أبو بكر الصيرفي من أصحاب الشافعي وغيره، إن البيان هو التعريف وعبر عنه بأنه إخراج الشئ من حيز الاشكال إلى حيز الوضوح والتجلي.
وذهب أبو عبد الله البصري وغيره إلى أن البيان هو العلم الحاصل من الدليل.
وذهب القاضي أبو بكر والغزالي وأكثر أصحابنا وأكثر المعتزلة، كالجبائي وأبي هاشم وأبي الحسين البصري وغيرهم، إلى أن البيان هو الدليل، وهو المختار.
ويدل على صحة تفسيره بذلك أن من ذكر دليلا لغيره، وأوضحه غاية الايضاح يصح لغة وعرفا أن يقال، تم بيانه، وهو بيان حسن، إشارة إلى الدليل المذكور.
وإن لم يحصل منه المعرفة بالمطلوب للسامع، ولا حصل به تعريفه، ولا إخراج المطلوب من حيز الاشكال إلى حيز الوضوح والتجلي. والأصل في الاطلاق الحقيقة، والذي يخص كل واحد من التعريفين الآخرين.
أما الأول: فلانه غير جامع، لان ما يدل على الحكم بديا من غير سابقة إجمال بيان، وهو غير داخل في الحد، وشرط الحد أن يكون جامعا مانعا. كيف وفيه تجوز وزيادة. أما التجوز ففي لفظ الحيز، فإنه حقيقة في الجوهر دون غيره.
وأما الزيادة فما فيه من الجمع بين الوضوح والتجلي، وأحدهما كاف عن الآخر، والحد مما يجب صيانته عن التجوز والزيادة.