المسألة الثالثة مذهب الجمهور أنه لا إجمال في قوله (ص): رفع عن أمتي الخطأ والنسيان (1) وقال أبو الحسين البصري وأبو عبد الله البصري وغيرهما إنه مجمل، مصيرا منهم إلى أن اللفظ بوضعه لغة يقتضي رفع الخطأ والنسيان في نفسه، وهو محال مع فرض وقوعه فيجل منصب النبي عن نفيه.
وعند ذلك، فإما أن يضمر نفي جميع أحكامه أو بعضها، لا سبيل إلى الأول، لان الاضمار على خلاف الأصل، وإنما يصار إليه لدفع الضرورة اللازمة من تعطيل العمل باللفظ، فيجب الاقتصار فيه على أقل ما تندفع به الضرورة، وهو بعض الأحكام.
كيف وأنه يمتنع إضمار نفي جميع الأحكام، لان من جملتها لزوم الضمان وقضاء العبادة، وهو غير منفي بالاجماع. ثم ذلك الحكم المضمر لا يمكن القول بتعينه لعدم دلالة اللفظ عليه، فلم يبق إلا أن يكون غير معين، ويلزم منه الاجمال.
قال النافون للاجمال: وإن تعذر حمل اللفظ على رفع عين الخطأ والنسيان، فإنما يلزم الاضمار إن لو لم يكن اللفظ ظاهرا بعرف استعمال أهل اللغة في نفي المؤاخذة والعقاب قبل ورود الشرع، وليس كذلك. ولهذا فإن كل من عرف عرف أهل اللغة لا يتشكك ولا يتردد عند سماعه قول السيد لعبده رفعت عنك الخطأ والنسيان في أن مراده من ذلك رفع المؤاخذة والعقاب.
والأصل أن كل ما يتبادر إلى الفهم من اللفظ أن يكون حقيقة فيه، إما بالوضع الأصلي، أو العرف الاستعمالي. وذلك لا إجمال فيه ولا تردد.