: الأول: أن القياس لا يشترط فيه أن يكون المعنى المناسب للحكم في الفرع أشد مناسبة له من حكم الأصل إجماعا، وهذا النوع من الاستدلال لا يتم دونه، فلا يكون قياسا.
الثاني: أن الأصل في القياس لا يكون مندرجا في الفرع وجزءا منه إجماعا. وهذا النوع من الاستدلال قد يكون ما تخيل أصلا فيه جزءا مما تخيل فرعا، وذلك كما لو قال السيد لعبده لا تعط لفلان حبة فإنه يدل على امتناع إعطاء الدينار وما زاد عليه، والحبة المنصوصة تكون داخلة فيه. وكذلك قوله تعالى: فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره (99) الزلزلة: 7 - 8) فإنه يدل على روية ما زاد على الذرة، والذرة تكون داخلة فيه، إلى نظائره.
ولهذا، فإن كل من خالف في القياس مطلقا وافق على هذا النوع، من الدلالة، سوى أهل الظاهر، ولو كان قياسا، لما كان كذلك.
وعلى كل تقدير، فهو منقسم إلى قطعي وظني.
أما القطعي: فكما ذكرناه من آية التأفيف حيث إنا علمنا من سياق الآية أن حكمة تحريم التأفيف إنما هو دفع الأذى عن الوالدين، وأن الأذى في الشتم والضرب أشد.
وأما الظني: فكما في قوله تعالى: * (ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة) * (4) النساء: 92) فإنه وإن دل على وجوب الكفارة في القتل العمد، لكونه أولى بالمؤاخذة، كما يقوله الشافعي، غير أنه ليس بقطعي لامكان أن لا تكون الكفارة في القتل الخطأ موجبة بطريق المؤاخذة لقوله (ص): رفع عن أمتي الخطأ والنسيان والمراد به رفع المؤاخذة، بل نظرا للخاطئ بإيجاب ما يكفر ذنبه في تقصيره، ومن ذلك سميت كفارة، وجناية المتعمد فوق جناية الخاطئ. وعند ذلك، فلا يلزم من كون الكفارة رافعة لاثم أدنى الجنايتين أن تكون رافعة لاثم أعلاهما.
وأما مفهوم المخالفة فهو ما يكون مدلول اللفظ في محل السكوت مخالفا لمدلوله في محل النطق، ويسمى دليل الخطاب أيضا، وهو عند القائلين به منقسم إلى عشرة أصناف متفاوتة في القوة والضعف.