المسألة السابعة عشرة لا نعرف خلافا بين الأمة في أن الناسخ إذا كان مع جبريل عليه السلام، لم ينزل به إلى النبي (ص)، لم يثبت له حكم في حق المكلفين، بل هم في التكليف بالحكم الأول على ما كانوا عليه قبل إلقاء الناسخ إلى جبريل. وإنما الخلاف فيما إذا ورد النسخ إلى النبي (ص)، ولم يبلغ الأمة، هل يتحقق بذلك النسخ في حقهم، أو لا؟
فذهب بعض أصحاب الشافعي إلى الاثبات، وبعضهم إلى النفي، وبه قال أصحاب أبي حنيفة والإمام أحمد بن حنبل، وهو المختار.
وبيانه أن النسخ له لازم وهو ارتفاع حكم الخطاب السابق وامتناع الخروج بالفعل الواجب أولا عن العهدة، ولزوم الاتيان بالفعل الواجب الناسخ والاثم بتركه، والثواب على فعله. وهذه اللوازم منتفية، ويلزم من انتفاء اللازم انتفاء الملزوم. أما أن الحكم السابق لم يرتفع، فهو أن المكلف يثاب على فعله (1) ويخرج به عن العهدة، ويأثم بتركه له قبل بلوغ النسخ إليه (2) بالاجماع.
ولهذا، فإن أهل قبا لما بلغهم نسخ التوجه إلى بيت المقدس بالتوجه إلى الكعبة استداروا، والنبي (ص)، اعتد لهم بالركعات التي أتوا بها بعد نزول النسخ، قبل علمهم بالنسخ، ولم ينكر عليهم.
وأما ان الخطاب بالنسخ غير لازم للمكلف قبل البلوغ فبيانه بالنص والحكم.
أما النص فقوله تعالى: * (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا) * (17) الاسراء: 15) وقوله تعالى: * (لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل) * (4) النساء: 165) وقوله تعالى: * (وما كان ربك مهلك القرى حتى يبعث في أمها رسولا) * (28) القصص: 59).
وأما الحكم فهو أن المكلف، لو فعل العبادة التي ورد بها الناسخ على وجهها كان آثما عاصيا غير خارج به عن العهدة، كما لو صلى إلى الكعبة، قبل بلوغ النسخ إليه، ولو كان مخاطبا بذلك لخرج به عن العهدة، ولما كان عاصيا بفعل ما خوطب به